للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً} [المزمل / ٩] . خطاب لنبينا صلى الله عليه وسلم أن يجانب الَّذِين ناوءوا دعوته من مشركي مكة وغيرها بقلبه، وهواه، ويخالفهم مع حسن المخالقة، والمداراة، والإغضاء، وترك المكافأة.

وفي توجيه عام للنّاس يقول الله تعالى في حقّ الوالدين: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء / ٢٣ - ٢٤] .

فالإنسان في نموه يمر خلال حياته بمراحل مختلفة، تبدأ بالضعف، وتنتهي بالضعف. ففي المرحلة الأولى يتولى رعايته أبواه أو أحدهما. وفي المرحلة الأخيرة يتولى رعايته أبناؤه.

غير أن مرحلة الضعف الأولى يعقبها قوة وعنفوان.

ومرحلة الضعف الثانية تتطور إلى ضعف، وضعف شديد يفقد معه الإنسان الكثير من نشاطه، وحيويته فيكون فيها محتاجًا لمن يساعده على قضاء كثير من شئونه في الحياة، فيبرز حينئذ دور الأبناء فيكون منهم البِرّ بوالديهما الَّذي يتمثل في طاعتهما في غير معصية الله، ورعايتهما، والصبر على ذلك. هنا يمكن للمداراة أن يكون لها دورٌ محوريٌّ في تلك العلاقة الظاهر في المجاملة، والأثرة، والتنازل، والملاينة، والرفق، والملاطفة، وحسن العشرة، والمداخلة في الأمور بسهولة، وبالرضى، والقبول من الفاعل.