للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا نظرنا إلى نوع الفعل الَّذي وقع منه صلى الله عليه وسلم وجدناه فعلاً لا تدخله شبهة التحريم، ولا حَتَّى الكراهة، فدلّ على أنه كان تنازلاً منه عن شهوة نفس في لذّة طعام يفضّله، وآثر عليه مرضاة أزواجه، ووئام أسرته.

ثمَّ إن قول الرجل: هذا حرامٌ عليَّ. لا يُحرم شيئًا، ويكون يمينًا توجب الكفّارة عند بعضهم. وهذا يؤيده قول الله تعالى بعد ذلك: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم / ٢] .

وهذا النوع من المداراة يقع من الحكيم من النّاس، عند معاملته من هم دونه في المسئولية والقدرة على تحمّل أعباء الحياة، كالزوجات، والأبناء.

(٢) وعن العلاقة بين الرَّجل والمرأة وخاصة الزوجان، نجد من السنّة النبوية ما يرشد، ويُعين على تفهم طبيعتها، ويحقّق لها قدرًا كبيرًا من الوئام.

ذلك أنّ نوعًا من المداراة يجب أن يتسلّح به أحد الطرفين مع الآخر.

قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " الْمَرْأَةُ كَالضِّلَعِ إِنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا، وَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ " (١) .

قال ابن حجر:

وفي الحديث الندب إلى المداراة لاستمالة النفوس وتألف القلوب. وفيه سياسة النساء بأخذ العفو منهن، والصبر على عوجهن، وإن من رام تقويمهن فاته الانتفاع بهن. . . مع أنه لا غنى للإنسان عن امرأة يسكن إليها، ويستعين بها على معاشه. فكأنه قال: الاستمتاع بها لا يتم إلاّ بالصبر عليها (٢) .

(٣) وفي بعض المواطن قد يضطر المسلم فيها إلى إخفاء الحقيقة من باب (المداراة) ، بمجاوزة الصدق طلبًا للسلامة، ودفعًا للضرر عن نفسه، أو أُمَّتِهُ، أو الابقاء على وئام أسرته.


(١) رواه البخاري في كتاب النكاح، باب المداراة مع النساء.
ومسلم، في الرضاع، رقم (٦٣، ٦٥) .
(٢) فتح الباري (٩/٢٥٤) .