للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد يُعدُّ ذلك كذبًا، ولكن الشارع رخص فيه على سبيل التورية والتعريض في ثلاثة مواطن:

الحرب، وحديث الرجل لامرأته، والإصلاح بين النّاس (١) ، وبيان ذلك كما يلي:

أ - القائد في الحرب يوهم سامعه أنه ينوي التوجه إلى الشمال بينما يتّجه إلى الجنوب، حَتَّى يربك عدوه، ويضيِّع عليه فرصة الاستعداد للمواجهة، فيفاجأ بالهجوم، فتضعف عنده الروح المعنوية، فيمنى بالهزيمة، وقد سمّى النبي صلى الله عليه وسلم الحرب خَدْعة (٢) . قيل: معناها: الأمر باستعمال الحيلة مهما أمكن ولو مرّة، وإلاّ فقاتل.

وقيل: معناها: الحرب الجيدة لصاحبها الكاملة في مقصودها إنما هي المخادعة لا المواجهة، وذلك لخطر المواجهة وحصول الظفر مع المخادعة بغير خطر (٣) .

قال ابن العربي: الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنص رفقًا بالمسلمين لحاجتهم إليه، وليس للعقل فيه مجال، ولو كان تحريم الكذب بالعقل ما انقلب حلالاً (٤) .

ب - والأسير من المسلمين عند الأعداء سيستنطقونه بطرق شتى: أخبار قومه، وعددهم، وعدّتهم، وخططهم، وتوجهاتهم. فإن ذهب يخبرهم بالحقيقة هلك، وأهلك قومه، بل عليه مداراتهم بالختل، والحيلة، وقلب الحقائق، وإن تعرض للأذى تحمّل ذلك.


(١) صحيح مسلم، كتاب البر، باب تحريم الكذب وبيان المباح منه، حديث (١٠١) ، وصحيح البخاري، كتاب الصلح، باب ليس الكاذب الَّذي يصلح بين النّاس.
(٢) صحيح البخاري، كتاب الجهاد، باب الحرب خدعة.
(٣) فتح الباري لابن حجر (٦/١٥٨) .
(٤) شرحه لسنن الترمذي، كتاب البر (٢٦) .