للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " يَا عَائِشَةُ مَتَى عَهِدْتِنِي فاحشًا؟ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فحشه " (١) ،

قال ابن حجر: وهو عند الحارث بن أبي أسامة من حديث صفوان بن عسّال نحو حديث عائشة، وفيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنّه منافق أداريه عن نفاقه، وأخشى أن يُفسد عليَّ غيره " (٢) .

أوضحت رواية ابن عسّال المعنى الَّذي من أجله قال الرسول صلى الله عليه وسلم ما قال للرجل، ثمَّ الَّذي فعله معه بعد رؤيته من تطلق وجهه، وانبساطٍ له.

فقد عَلِم عن طريق الوحي حقيقته، وكان يعلم صلى الله عليه وسلم أنّ له أتباعًا يطيعونه ويُصْغُون لحديثه.

فلو أغلظ له النبي صلى الله عليه وسلم، أو صدَّه عن لقائه، لأوغر صدور أتباعه عليه، وحملهم على العصيان والكفر. ودور الرسول صلى الله عليه وسلم يرتكز على دعوة النّاس بالتي هي أحسن. وقد قال الله في حقّه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران / ١٥٩] .

فالحديث - كما قال ابن حجر - أَصل في المداراة (٣) .

وهو كذلك، فالداعية عليه أن يتحلى بأنواع الصبر، ويداري في دعوته أصناف النّاس، بلطيف الكلام، وحسن التصرف.


(١) صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحّشًا. ومسلم في البر، باب مداراة من يتقى فحشه.
(٢) فتح الباري: (١٠/٥٢٩) .
وانظر: بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث للهيثمي. كتاب الأدب، باب في مداراة النّاس، حديث (٨٠٠) (٢/٧٩٢) .
(٣) فتح الباري: (١٠/٤٥٤) .