للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الخطابي: يجمع هذا الحديث عِلْمًا، وأدبًا، وليس قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بالأمور الَّتِي يَسِمُهم بها، ويضيفها إليهم من المكروه غِيبةً وإثمًا، كما يكون ذلك من بعضهم في بعض. بل الواجب عليه أن يبيِّن ذلك، ويفصح به، ويعرِّف النّاس أمره، فإن ذلك من باب النصيحة، والشفقة على الأمّة. ولكنَّه لِمَا جُبِلَ عليه من الكرم، وأُعْطِيَهُ من حسن الخلق، أظهر له من البشاشة ولم يَجْبَهَهُ بالمكروه، لتقتدي به أمّته في اتقاء شر من هذا سبيله، وفي مداراته ليسلموا من شرِّه، وغائلته (١) .

وقال القاضي عياض:

وأما إلانة القول له بعد أن دخل فعلى سبيل التألُّفِ له ولأمثاله على الإسلام (٢) .

(٥) وفي إطار المصلحة العامة يستشعر المخلصون شعورًا قويًا بالمسئولية تجاه أمّتهم، وما يعنيها من الإخلاص والأمانة. يدفعهم إلى ذلك إيمان بالله واليوم الآخر. فيساير أحدهم عدوّه - وهو منه على حذر - ليحقق لأمّته ما يحفظ عليها أمْنها، وسلامتها، وكرامتها، دون المساس بأصل المعتقد وجوهره. ظهر شيء من هذا في وثيقة صلح الحديبية الَّتِي كُتبت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين مشركي مكّة، حين رفض مندوبهم سهيل بن عمرو أن يُكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، وطلب أن يكتب بدلها باسمك اللهم، ووافقه الرسول صلى الله عليه وسلم على ما طلب.

واعترض سهيل على الكاتب قوله: ((هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله قائلاً: والله لو كنّا نعلم أنّك رسول الله ما صددناك عن البيت. ولكن اكتب: محمد بن عبد الله. فوافقه الرسول صلى الله عليه وسلم على طلبه.

وطلب سهيل أن يُنَصَّ في الوثيقة على ما يلي:


(١) أعلام الحديث (٣/٢١٧٩ ـ ٢١٨٠) .
(٢) فتح الباري لابن حجر (١٠/٤٥٤) .