للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يأتيك منّا رجل - وإن كان على دينك - إلاّ رددته إلينا. فوافقه الرسول صلى الله عليه وسلم على طلبه (١) .

قال الخطابي:

في ذلك باب من العلم فيما يجب من استعمال الرفق في الأمور، ومداراة النّاس فيما لا يلحق دين المسلم به ضرر، ولا يبطل معه لله سبحانه حقّ.

وذلك أن معنى: باسمك اللهم، هو معنى: باسم الله الرحمن الرحيم، وإن كان فيها زيادة ثناء.

وكذلك المعنى في تركه أن يكتب: محمد رسول الله واقتصاره على أن يكتب: محمد بن عبد الله.

لأنّ انتسابه إلى أبيه عبد الله لا ينفي نبوته، ولا يسقط رسالته.

وفي إجابته صلى الله عليه وسلم إياهم إلى أن يرد إلى الكفار من جاءه منهم مسلمًا، دليل على جواز أن يقرَّ الإمام - فيما يصالح عليه العدو - ببعض ما فيه الضَّيم على أهل الدين، إذا كان يرجو لذلك فيما يستقبله عاقبة حميدة، سيما إذا وافق ذلك زمان ضعف المسلمين عن مقاومة الكفار، وخوفهم الغلبة منهم (٢) .

(٦) وإِذا تَعرَّض المؤمن إلى ما يهدد وجوده على الأرض بسبب معتقده، ووقع في قبضة عدوّه الَّذي ساومه بين الكفر أو الاستئصال - وهو قادر - فإِنَّ (المداراة) من المؤمن لمثل هذا الطاغية، في مثل هذا الموقف لا تطعن في صحّة إيمانه. . . ذكر أبو عبيدة بن محمّد بن عمَّار بن ياسر قال:

أخذ المشركون عمّار بن ياسر، فلم يَدَعُوه حَتَّى سبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذَكَرَ آلهتهم بخير، ثمَّ تركوه.

فلما أتى النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما وراءك؟ " قال: شَرٌّ يا رسول الله، والله ما تُرِكْتُ حَتَّى نِلْتُ منك، وذكرتُ آلهتهم بخير.

قال: " فكيف تجد قلبك؟ ".

قال: أجده مطمئنًا بالإيمان.


(١) صحيح البخاري، كتاب الصلح، باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان فلان بن فلان. وصحيح مسلم، كتاب الجهاد، رقم (٩٣) .
(٢) معالم السنن (٣/٢٠٣) ، وأعلام الحديث (٢/١٣٣٦ ـ ١٣٤١) .