للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي موقف آخر من مواقف الشارع الحكيم ما يوافق أسلوب الدعوة بالتي هي أحسن، بالرفق، واللين، مع المؤلفة قلوبهم، مارواه النسائي وغيره عن حكيم بن حزام قال: ((بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا أَخِرَّ إلاَّ قائمًا)) (١) .

قيل: معناه: أن لا يكون سجوده في الصلاة إلاّ خرورًا من قيامه. أي: لا يركع؟!! .

والركوع في الصلاة من أركانها!؟ .

وسقوط شيء من الأركان في الصلاة يبطلها!؟ .

والصلاة الباطلة لا تجزيء صاحبها!!؟ .

إنّ معالجة الداعية الحكيم أمر المؤلفة قلوبهم تغلب عليه الدراية، وبعد النظر، والصبر، والروية.

فإنّ الإيمان بعد الكفر مباشرة لا يسلم صاحبه من التردد بين المضي والإحجام، والشك واليقين.

والكافر مادي الأفكار، يأخذ بحساب الربح والخسارة عند كل ما يخصه من أمور الحياة، فيقدم هذا، ويؤخر هذا، فإذا ما وعد بما لم يره من ثواب أو عقاب في عالم الغيب - إن هو أحسن أو أساء - أخذ الأمر مأخذ الاحتمال، فهو بين المتطلع إلى الفوز والنجاح، والنادم على ضياع فرصة اللذات، والشهوات.

ولكن يبقى عامل الخوف في نفسه من المجهول. ويرى ما يتقلّب فيه الإنسان من صحّة وعافية، ثمَّ ما يعقب ذلك من موت، وفناء، حقيقة لا مراء فيها.

فالخوف غريزة في المخلوق تدفعه أو تمنعه من فعل ما يريد أو التصرف حيال ما يشعر خطره على نفسه أو ماله أو أهله.

فمن استطاع من الدعاة أن يستغل آثار هذه الغريزة عند المسيء أو المنحرف، أو الضّال. ويوقظ في أنفسهم الشعور بخطورة أفعالهم، ومغبَّة أعمالهم، ثمَّ يبيِّن لهم محاسن الدين، وما وعد به أتباعه المهتدين. فإنّ النجاح حليفه إن شاء الله.


(١) أخرجه النسائي في كتاب التطبيق، باب كيف يخر للسجود، صحح إسناده الألباني. (صحيح سنن النسائي (١/٢٣٤) .
وأحمد في مسنده (٣/٤٠٢) ، وأبو داود الطيالسي في مسنده رقم (١٣٦٠) .