للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويُشبه هذا قول أحد الصحابة وهو أبو الدرداء: إِنَّا لَنَكْشِرُ فِي وُجُوهِ أَقْوَامٍ وَإِنَّ قُلُوبَنَا لَتَلْعَنُهُمْ (١) .

و (التكشير) ظهور الأسنان عند الضحك.

فهل يُعدّ هذا نفاقًا؟

فقد ترد الشبهة فيه، ولكنه لا يصدق على من مثل أبي الدرداء رضي الله عنه، ومن يشبهه من المؤمنين.

فهو إذًا من المداراة وهي خفض الجناح، ولين الكلمة، وترك الإغلاظ في القول والرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله، والإنكار عليه بلطيف القول، والفعل، ولاسيما إذا اُحتِيج إلى تألُّفه.

روت عائشة - رضي الله عنها - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إنّ الله أمرني بمداراة النّاس كما أمرني بإقامة الفرائض " (٢) .

وقد قيل: إنّ من ابتغاء الخير اتقاء الشَرِّ (٣) .

فإذا أراد الخير لنفسه جانب فعل الشرور، واتقى الأشرار.

المبحث الرابع

المداراة وأثرها في المجتمع

إن من أهمّ ما يميّز المجتمعات بعضها عن بعض هو الوجود الحقيقي لروح التعاون بين أفرادها، بحيث يكون عمل الفرد لصالح المجموع، كما أَنَّه على الجماعة أن تحتضن الفرد. والعمل معًا في إطار المصلحة العامة، واحترام الأنظمة الَّتي توجّه دفّة الأمور فيها الوجهة السليمة الصحيحة، ويزداد احترام الفرد للأنظمة كلما كان مصدرها موثوقًا محترمًا، وليس من بين بنودها ما يخالف أو يعارض، أو ينفي أمورًا فطرية.


(١) رواه البخاري في كتاب الأدب، باب مداراة النّاس (تعليقًا) . والبيهقي في شعب الإيمان (٦/٢٦٦) . وابن أبي الدنيا في مداراة النّاس (ص٣٦) .
(٢) أخرجه الديلمي في مسنده بسند ضعيف عن عائشة، (انظر فردوس الأخبار: (١/٢١٢) . قال الألباني في السلسة الضعيفة، حديث رقم (٨١٠) : ضعيف جدًّا.
(٣) انظر: كتاب مداراة النّاس، لابن أبي الدنيا، ص٣٦ [تحقيق محمد خير رمضان يوسف] .