للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أنار الله للمجتمعات المسلمة سبل هدايتها، وشرع لها من النظام ما يوافق الفطرة، فالأخذ به هو أَخذ لما يوافق تكوين الإنسان حقيقة، وأي انتقاص في هذا الميزان التعادلي ينتهي بالفرد إلى أن يكون متمرّدًا ضدّ أنظمة مجتمعه، أو في صراع معه.

ولا يوجد في المجتمعات مجتمع صغير أو كبير لا يمارس أفراده بشكل أو بآخر أسلوب (المداراة) فيما بينهم بنسب متفاوتة. ذلك لأن العلاقات الاجتماعية، والعلاقات العامة بصورها المختلفة، والمتباينة ذات طابع أخلاقي يمارسه الإنسان مع أخيه على أساس من التعاون، وبفيضٍ من المشاعر، والأحاسيس، والعواطف الَّتِي يحمل منها الشيء الكثير، مما يترك أثرًا محسوسًا على نتائج أفعالهما قوّة وضعفًا، شدّة ولينًا.

وما أَودع الله في البَشَر من اختِلاف، وتفاوتٍ، وتَباينٍ في الفَهْم، والوَعي، والإدراك سهَّل على المتميزِ منهم مداراة من هو دونه، وعلى الأَدْنى مداراة من هو فوقه، لتسهيل سبل العيش بينهما، كما قال تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف / ٣٢] . وهذا يظهر جليًا في مجال الرحمة، والشفقة، والتقدير، والاحترام، وتبادل المصالح.

والنَّاس للنَّاسِ مِن بَدْوٍ وحاضِرةٍ

بَعضهم لبعضٍ وإن لم يَشْعُروا خَدَمُ (١)


(١) للشاعر أبي العلاء المعري. انظر كتابه: لزوم ما لا يلزم (ص٢/٢٨٩) .