للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالبذل بين المسلمين له سِمة التسامح بينهم، لأنّ الباذل بمحبّةٍ، وطواعيةٍ يرجو الجزاء من خالقه، وقد اجْتَثَّ الإيمانُ من نفسه طابع الأنانية، وشَهوة الاستئثار. يقول تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر / ٩] .

فبذلهما جاء على قدر ما أَفرغ الإيمان في قلبيهما من محبّةٍ، والتنكر للذات منهما ارتكز على إقرارهما بالله وملائكتِه وكتبهِ ورسله واليوم الآخر. قال تعالى في الحديث القدسي: " وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ " (١) .

وكلّما تَوسّع الإنسان في رغباته، وشهواته احتاج إلى مزيد من السُّبل والوسائل لتحقيقها.

وتلك السُّبل والوَسائل لا تتأتى إلاَّ بقَدْرٍ كبير من الجَهد، والمشقة، والبذلِ، مادِيًا، ومَعنويًا.

وهنا يخْتلِف النَّاسُ في سَعيهم إليها بَيْنَ مُنْتَقٍ مُتَأَنٍ، وبَيْنَ حاطِبِ لَيْلٍ شَرِهٍ.


(١) أخرجه مالك في الموطأ بسنده عن معاذ بن جبل. كتاب الشَّعْر. باب ما جاء في المتحابين في الله.
وأخرجه الحاكم في المستدرك (٤/١٦٩) ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذَّهبيّ، وقال الحاكم: وقد جمع أبو إدريس بإسناد صحيح بين معاذ وعبادة بن الصامت في هذا المتن.