للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكيفَ بِنا ونَحن مُسلِمون نغفل عن مثل هذا، وإِذا سَرَق فينا الضَّعيفُ أَقمنا عليه الحدّ، وإذا سَرق فينا الشَّريفُ تركْنَاه. ورَسُولُنَا وقُدْوَتُنا أَقْسَم بأَيْم الله لو أَنَّ فَاطِمة بنت مُحمّد سَرَقت لَقَطَعْتُ يدها (١) .

فَهل مِثل هَذا التَّصرف من بَعْضِنا دافِعه المجامَلة أَم التَّجملِ؟ وهل هما مِن أنواع المدارة في شيءٍ؟

قالوا: المجامَلَة هي المعامَلة بالجميلِ، قَولاً، وفِعْلاً، ومن المعامَلة بالجميل إِعْطاءُ كلِّ ذي حَقٍّ حَقَّه، والأَخذ بالأَسباب المشْروعة عند كلّ إنْجازٍ لَهُ. والعَمل بقول الرَّسول صلى الله عليه وسلم: " إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذا عَمِل أَحدكم عَمَلاً أَن يُتْقِنَهُ " (٢) .

وأما التَّجمل فهو أَن يكونَ عَمَلُ الجميلِ مِنه تكلُفًا. فيَقْضِي حَوائج النَّاسِ حَسَب مقاماتِهم، ودَرَجاتِ نفُوذهم في المجتمع، وبقدْر ما يأْمل مِن كَسْبٍ مادِي مِنهم فيُخِلَّ بحقوق الآخرين من عامةِ النَّاس، ويُضَيِّع عليهم أَوقاتَهم، ويُلوِّحُ لَهم بقبولِ الرِشْوَة.

والإِنْسان المضْطر لقضاء حوائِجه تلْمس عندَه الاستعدادَ للبذْلِ، والتَّخلُّقِ باللِّين، والمدارة.


(١) أخرجه البخاري في الحدود، باب إقامة الحدود على الشريف والوضيع. ومسلم في الحدود، باب قطع السارق الشريف وغيره.
(٢) قال في مجمع الزوائد (٤/٩٨) : رواه أبو يعلى عن عائشة، وفيه مصعب بن ثابت وثّقه ابن حبّان، وضعّفه جماعة. قال في التقريب: ليِّن الحديث. اهـ. وللحديث شاهد أخرجه البيهقي في شعب الإيمان لفظه: ((إنّ الله يحب من العامل إذا عمل أن يُحسن)) من حديث قطبة بن العلاء بن المنهال. قال الألباني: مرسل. انظر السلسة الصحيحة، رقم (١١١٣) .