فَبَرَزَ في المجتمع المسلم فئة من المسئولين استغلت ضعف الضعيف، وطمع القوي، يعاملون الفئتين بالابتزاز، واصطياد الفرص، فأفشت بينهم الرِّشْوَة، ورسَّخت في المفهوم العام فكرة الوَسَاطَةِ، والوَسيط لانجاز مصلحة وإن لم تَسْتَوْف الشروط اللاَّزمة الصحيحة لإنجازِها. وهذا ليس من (المداراة) في شيء.
ويكون من واجب ولاة الأمر حِينَئذٍ التقصي والاجتهاد في اختيار مُعاونيهم في شتى الأعمال، ومتابعتهم بعد ذلك، وتقويم اعوجاج سُلوكِهم، أو حماية المجتمع من شرورهم بإقصائهم بعد معاقبتهم، ليتحقق المفهوم العام القائل: الرجل المناسب في المكان المناسب.
وما يسببه البعض من إحراج للمسئول عند مراجعته لإنجاز معاملته - وتكون ناقصة المعلومات، أو مخالفة لمقتضيات النظام - فيذكّره بقرابته، ويستفزه بعبارات المديح، وبما له عليه من حقوق، مما يضطره إلى مجاملته، وتقديم طلبه على المستحقين قَبْلَهُ، أو أن يعامله بخلاف نصوص التنظيم، فيضطرب أمر الدائرة، ويتسلل الخطأ، وربما يعالج بخطأ آخر.