من المعلوم أن مناهج الجامعات في كل أمة هي الأساس لتكوينها والصورة لاتجاهها وكل أمة تكيف مناهجها حسب فلسفتها في الحياة, فمناهج الجامعات في المعسكر الروسي خلافها في جامعات المعسكر الغربي.. وهي في المعسكرات الشرقية غيرها في الجميع. وهذا واقع الحياة التعليمية في الجهات المختلفة, ولا يمكن لجهة أن تتخلى عن واقع حياتها.
ولكننا إذا تطلعنا شرقا وغربا نطلب منهجا قويما بحاجات الإنسانية ويكون الإنسان الكامل كوحدة متماسكة يسير به في توازن وينهض به في اعتدال لن نجد منهجا سويا يفي بمقصودنا.
لأنها كلها قد جنحت في مناهجها إلى جانب من جوانب هذا الإنسان وهو الجانب الذي أحست به ولمسته فآمنت بوجوده, وهو الجانب المادي فراحت تعمل لخدمة هذا الجانب من هذه الناحية فرقت الصناعية تسهيلا لمعاشه وطورت الفنون تيسيرا لمسراته وأطلقت من قيود الحرية إشباعا لشهواته فأصبح يأكل ويتمتع ويلهو ويتوسع حتى أعطى هذا الجانب كل متطلباته.
بينما أغفل الجانب الآخر من الإنسان وهو الجانب الروحي الذي به حياته الحقيقة السعيدة وعليه قوامه, وبإغفال هذا الجانب اختل ميزانه وفقد اتزانه وظهر طغيانه.
لأن الإنسان إذا لم يكن له ضمير ينبهه ولا دين يردعه ووجد انطلاقة وراء شهواته وملذاته فلابد من أن يطغى على غيره ليحصل على أكبر قسط لنفسه, سيطغى فردا أو جماعة لإرضاء شهوة النفس من سلطة وسلطان:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد
ذا عفة فلعلة لا يظلم
والنفس من طبيعتها الشح كما قال الله تعالى:{وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} .. والشح يحمل على الحرص, والحرص يحمل على الأنانية وحب الذاتية, وهما يحملان على الاستزادة والإكثار من كل ما تصل إليه اليد ولو طغيانا وبطرا:{إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} .