وكم هو جدير بالمتأخرين المعاصرين من علماء التفسير أن يولوا هذه المسألة اهتماما بالكتابة في ذلك وتوجيه الباحثين إليها، فهم بذلك يقربون تراث المتقدمين إلى المتأخرين، ويحببونهم فيه، وينقونه مما شابه من الشوائب الكثيرة.
وأما أسباب الاختلاف الحقيقية فلم يذكرها أبو إسحاق الشاطبي هنا؛ لأنها معروفة، طرقها الباحثون ضمن مؤلفاتهم، وأفردها بعضهم بالتأليف.
المبحث الثاني عشر: مع الإمام أبي إسحاق الشاطبي
في وجود المعرَّب في القرآن الكريم
أشار أبو إسحاق إلى هذه المسألة إشارة تبعية تحت عنوان وضعه بقوله:"النوع الثاني في بيان قصد الشارع في وضع الشريعة للإفهام ويتضمن مسائل".
فقال:"وأما كونه جاءت فيه ألفاظ من ألفاظ العجم، أو لم يجيء فيه شيء من ذلك فلا يحتاج إليه إذا كانت العرب قد تكلمت به، وجرى في خطابها، وفهمت معناه، فإن العرب إذا تكلمت به صار من كلامها، ألا ترى أنها لا تدعه على لفظه الذي كان عليه عند العجم، إلا إذا كانت حروفه في المخارج والصفات كحروف العرب، وهذا يقل وجوده، وعند ذلك يكون منسوبا إلى العرب، فأما إذا لم تكن حروفه كحروف العرب، أو كان بعضها كذلك دون بعض، فلا بد لها من أن تردها إلى حروفها، ولا تقبلها على مطابقة حروف العجم أصلاً، ومن أوزان الكلم ما تتركه على حاله في كلام العجم، ومنها ما تتصرف فيه بالتغيير كما تتصرف في كلامها، وإذا فعلت ذلك صارت تلك الكلم مضمومة إلى كلامها كالألفاظ المرتجلة والأوزان المبتدأة لها، هذا معلوم عند أهل العربية لا نزاع فيه ولا إشكال.
ومع ذلك فالخلاف الذي يذكره المتأخرون في خصوص المسألة لا ينبني عليه حكم شرعي، ولا يستفاد منه مسألة فقهية، وإنما يمكن فيها أن توضع مسألة كلامية يبنى عليها اعتقاد، وقد كفى الله مؤنة البحث فيها بما استقر عليه كلام أهل العربية في الأسماء الأعجميّة".