فخرَّج إسماعيل القاضي من حديث أبي قلابة، قال: أراد ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفضوا الدنيا، وتركوا النساء، وترهبوا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فغلظ عليهم المقالة، فقال:"إنما هلك من كان قبلكم بالتشديد، شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، فأولئك بقاياهم في الديار والصوامع، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وحجوا واعتمروا، واستقيموا يستقم بكم" قال: ونزلت فيهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}(١) ... ".
المبحث العاشر: مع الإمام أبي إسحاق الشاطبي في الإفادة من أصول الفقه في تفسير القرآن الكريم
علم أصول الفقه من العلوم المهمة، ولو لم يكن كذلك لما شُغل به علماء المسلمين تعلما وتعليما وتأليفا، ومجاله في علم الفقه واضح لا غبار عليه.
وأمَّا أهميته في تفسير القرآن الكريم فهي لا تقل عن أهميته في الفقه؛ إذ به يُعرف وجه الاستدلال على الأحكام والاستنباط.
ولأهمية هذا العلم للمفسر عدّه الإمام السيوطي مما يجب على المفسر أن يتقنه قبل أن يبدأ في تفسير كلام الله تعالى.
والإمام أبو إسحاق الشاطبي في هذا الفن - أصول الفقه - نسيج وحده، وإمام عصره، وكتابه "الموافقات"لا نظيرله في هذا الفن. فهو المرجع لتصوير ما يقتضيه الدين من استجلاب المصالح، وتفصيل طرق الملاءمة بين حقيقة الدين الخالدة، وصور الحياة المختلفة المتعاقبة.
وعندما تعرض الإمام أبو إسحاق الشاطبي لتفسير القرآن الكريم أفاد من علم أصول الفقه لإظهار معاني القرآن الكريم، فهو تارة يطبق قواعده فتظهر المعاني وتزول الإشكالات.
وتارة يجعل ما يفهمه من القرآن الكريم مستندًا له في بناء بعض القواعد الأصوليّة وتوضيحها. وإليك بعض الأمثلة في هذا المبحث: