ومن الوسائل التي اتَّبعها المُحَدِّثون في أنواع الرِّوايةِ، والتي تُعَدُّ من وسائل توثيقِ النُّصوصِ وضبطها، ابتكارهم لأنماطٍ مختلفة من أنماط الرِّواية، والتي تدلُّ على الدِّقَّةِ في التَّصنيف في بعض أنواعِ التَّحمُّلِ مثل: رواية الأكابرعن الأصاغِر، ورواية التَّابعين عن بعضهم، ومَن روى عن أبيهِ عن جدِّهِ، والرواة من الإخوة والأخوات، والمُدَبَّج، ورواية الأقرانِ، والأسانيد القائمةعلى أساس المدن، كالأسانيد الحِجازيَّة، أو المكيَّة، أو المَدنيَّة، أو البصريَّة، أو الكوفيَّة، أو الشَّاميَّة، واختلاف الروايات للكتاب الواحد، وفنّ المستخرجات، وعلم الأثبات ومعاجم الشُّيوخ والمشيخات.. وغير ذلك من التَّصنيفات المختلفة، والتي يستشفُ منها الباحث المُدقق أنَّ المُحَدِّثينَ قد قطعوا شوطاً بعيداً في علم الرواية، وأنَّ بحوثهم قد أعطت الباحث الواعي، والدَّارس المتمكنَ والموضوعيّ القدرة على التَّحركِ، ووضعت بينَ يديهِ الوسائل التي تعينهُ على التَّثبتِ مِن صحَّةِ الأسانيدِ، وتدقيق الرِّواياتِ، وتميزت بحوثهم المختلفة بالابتكار والإبداع والتي استطاعوا بها أن ينشروا السُّنَّة ويحافظوا عليها بنجاحٍ منقطع النَّظير، وأنَّ السَّواد الأعظم من المُحدِّثين كان يُدركُ أنَّ علم الرِّواية لم يكن طحناً في الماءِ، وإنَّما هو عِلْمٌ مُنَسَّقٌ، قائمٌ على قواعدَ مفصَّلةٍ وعميقةٍ.
وبحثنا هذا هو حلقةٌ مِن سلسلةِ بحوث مماثلة كتبتها وتناولت علم الرِّواية وأثرهُ في توثيق النُّصوصِ وضبطها، وقد تناول جانباً من جوانبَ علم الرِّوايةِ والذي قد صَنَّفَ فيه العُلماءُ الكبارُ مُصَنَّفات لم نقف عليها في وقتنا الحاضر، وبقيت منهُ أبحاثٌ توزعتها كتب علم أصول الحديثِ المُختلفة، أو بعض الشُّروح الحديثية، وهذا النَّوع هو المُدَبَّجُ، ورواية الأقران.