إنَّ الدِّراسة الموضوعيَّة لهذا النَّوع من أنواعِ علوم الحديثِ، تظهر لنا أنَّ هذا النَّوعَ مِنَ المُصَنَّفاتِ هدفهُ إزالة النِّقاب عن الخطأ والوهم الذي قد يتطرَّقُ إلى الإسناد.
وإذا كان ابنُ عباسٍ رضي الله عنه قد حذَّرَ من قَبولِ جرح الأقران بعضهم لبعضٍ، وقال: استمعوا علم العُلماء ولا تصدقوا بعضهم على بعضٍ، فوالذي نفسي بيدهِ لهم أشدّ تغايراً من التّيوسِ في زروبتها.
وقال الذَّهبيُّ: وكلامُ الأقرانِ بعضهم في بعضٍ لا يُعبأ به لا سيما إذا لاحَ أنَّهُ لعداوةٍ، أو لحسدٍ، ما ينجو منه إلاَّ مَن عصم اللَّهُ، وما علمتُ أنَّ عصراً مِنَ الأعصارِ سلمَ أهلهُ من ذلكَ سوى الأنبياء والصِّدِّيقينَ.
فإنَّ روايةَ الأقران بعضهم عن بعضٍ فيه شهادة بعضهم لبعضٍ على صِحَّةِ المرويات، وإشارةٌ صادقةٌ على تجاوز الكثير منهم للعوامل النَّفسيَّةِ التي تختلجُ في صدور الأقرانِ، والتي حَذَّرَ منها العُلماء.
ونظراً لأهميَّةِ رواية الأقران بعضهم عن بعضٍ في توثيق النُّصوصِ وضبطها، فقد حرص الإمامُ الجِهبذُ أبو عبدِاللَّهِ محمدُ بنُ إسماعيلَ البُخاريُّ على هذا النَّمط مِن الأسانيدِ في كتابه (الجامع الصَّحيح) ، وكذا اشتملت كتب السُّنَّةِ الأخرى على ذِكرِ هذا النَّوع من المروياتِ، وأدرجتها ضمن مروياتها المُختلفةِ.
إنَّ دراسة مرويات الأقران بعضهم عن بعضٍ ستقودنا إلى معرفةِ تواريخ ولادةِ ووفيات الرُّواة، كما أنَّها ستقدِّمُ لنا نتائج جليلة عن علم طبقات الرُّواة، وتجمع لنا دلائل عن البلدان ورواتها، سيما إذا اجتمعَ في الرِّواية الواحدةِ أهل بلدٍ في نَسقٍ كما سيأتي بيان ذلكَ مِن خلالِ بحثنا هذا.