للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذا النوع يصعب الصبر عليه جداً، لأن النفس تستشعر المؤذي لها، وهي تكره الغلبة، فتطلب الانتقام، فلا يصبر على هذا النوع إلا الأنبياء والصديقون، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم إذا أوذي يقول: يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر وأخبر عن نبي من الأنبياء أنه ضربه قومه فجعل يقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" (١) وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه جرى له هذا مع قومه [فجعل يقول مثل ذلك] ، فجمع في هذا ثلاثة أمور: العفو عنهم، والاستغفار لهم، والاعتذار عنهم بأنهم لا يعلمون، وهذا النوع من الصبر عاقبته النصر والعز والسرور والأمن والقوة في ذات الله، وزيادة محبة الله ومحبة الناس له وزيادة العلم، ولهذا قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} (٢) فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، فإذا انضاف إلى هذا الصبر قوة اليقين والإيمان ترقى العبد في درجات السعادة بفضل الله، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

ولهذا قال الله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا} يعني: الأعمال الصالحة مثل العفو والصفح {إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (٣) نصيب وافر وهي الجنة.

ويعين العبد على هذا الصبر عدة أشياء:


(١) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (٥٤) رقم (٣٤٧٧) .
ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد، باب غزوة أحد (٥/١٧٩) .
(٢) الآية [٢٤] من سورة السجدة.
(٣) الآيتان [٣٤،٣٥] من سورة فصلت.