للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدها: أن يشهد أن الله - سبحانه وتعالى - خالق أفعال العباد حركاتهم وسكناتهم وإراداتهم، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فلا يتحرك في العالم العلوي والسفلي ذرة إلا بإذنه، ومشيئته والعباد آلة، فانظر إلى الذي سلطهم عليك، ولا تنظر إلى فعلهم بك، تستريح من الهم والغم والحزن.

الثاني: أن يشهد ذنوبه، وأن الله إنما سلطهم عليه بذنبه، كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (١) فإذا شهد العبد أن جميع ما يناله من المكروه فسببه ذنوبه، اشتغل بالتوبة والاستغفار من الذنوب التي سلطهم عليه، عن ذمهم ولومهم والوقيعة فيهم، وإذا رأيت العبد يقع في الناس إذا آذوه ولا يرجع إلى نفسه باللوم والاستغفار فاعلم أن مصيبته مصيبة حقيقية، وإذا تاب واستغفر، وقال: هذا بذنوبي، صارت في حقه نعمة.

قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كلمة من جواهر الكلام: لا يرجونّ عبدٌ إلا ربه، ولا يخافنّ عبدٌ إلا ذنبه (٢) وروي عنه وعن غيره: ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة (٣) .

الثالث: أن يشهد العبد حسن الثواب الذي وعده الله لمن عفى وصبر، كما قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (٤) . ولما كان الناس عند مقابلة الأذى ثلاثة أقسام: ظالم يأخذ فوق حقه، ومقتصد يأخذ بقدر حقه، ومحسن يعفو ويترك حقه. ذكر الأقسام الثلاثة في هذه الآية فأولها للمقتصدين، ووسطها للسابقين، وآخرها للظالمين.


(١) الآية [٣٠] من سورة الشورى.
(٢) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (٧/١٢٢) رقم (٩٧١٨) .
والأصبهاني في الترغيب والترهيب (٢/٦٦٢) رقم (١٥٨٦) .
وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (١/٣٨٣) رقم (٥٤٧-٥٤٨) .
(٣) ق ٣/أ) .
(٤) الآية [٤٠] من سورة الشورى.