للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويشهد نداء المنادي يوم القيامة ألا ليقم من وجب أجره على الله، فلا يقوم إلا من عفى وأصلح (١) وإذا شهد مع ذلك فوت الأجر بالانتقام والاستيفاء سهل عليه الصبر والعفو.

الرابع: أن يشهد أنه إذا عفى وأحسن أورثه ذلك من سلامة القلب لإخوانه، ونقائه من الغش، والغل، وطلب الانتقام، وإرادة الشر، وحصل له من حلاوة العفو ما يزيد لذته ومنفعته عاجلا وآجلا على المنفعة الحاصلة له بالانتقام أضعافا مضاعفة، ويدخل في قوله تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (٢) فيصير محبوبا لله، ويصير حاله حال من أُخِذَ منه دراهم فَعُوِّضَ عنها ألوفاً من الدنانير، فحينئذ يفرح بما مَنَّ الله عليه أعظم فرحٍ ما يكون.

الخامس: أن يعلم أنه ما انتقم أحد قط لنفسه إلا أورثه ذلك ذلاً [جده] في نفسه، فإذا عفى أعزه الله. وهذا مما أخبر به الصادق المصدوق حيث يقول: "ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً" (٣) فالعز الحاصل له بالعفو أحب إليه وأنفع له من العز الحاصل له بالانتقام، فإن هذا عِزٌّ في الظاهر وهو يورث في الباطن ذُلاً، والعفو ذل في الباطن وهو يورث العز باطناً وظاهراً.


(١) أخرج ابن مردويه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم القيامة أمر الله منادياً ينادي ألا ليقم من كان له على الله أجره فلايقوم إلا من عفى في الدنيا وذلك قوله: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} ".
أورده السيوطي في الدر المنثور (٦/١١) .
والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (١١/١٩٨) .
وأخرجه ابن حبان في روضة العقلاء (ص ٢٧٦، ٢٧٧) عن الحسن البصري مرسلاً، ووصله البيهقي في شعب الإيمان (١٣/١٣٦) برقم (٧٠٥٠) .
ورواه هناد ابن السري في الزهد (٢/٩٠٤) ، وأبو نعيم في الحلية (٩/٢٠٤) عن الحسن البصري موقوفاً.
(٢) الآية [١٣٤، ١٤٨] من سورة آل عمران.
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الأدب والبر والصلة باب استحباب العفو (٨/٢٠) .