وقد يبدو في هذا الكلام شيء من الإشكال - كما يقول الدكتور الريسوني وهو: هل المشقة حكمة ومقصود؟ والجواب: إن الكلام فيه حذف، ومراده: أن رفع المشقة عن المسافر هو مقصود الحكم وحكمته، وقد نبه على هذا الأصولي الحنفي شمس الدين الفناري حيث قال:"أما ما يقال في رخص السفر: أن السبب السفر، والحكمة المشقة، وأمثاله، فكلام مجازي، والمراد أن الحكمة الباعثة دفع مشقة السفر".
ويؤكد الدكتور بدران أبو العينين بدران هذا التطابق بين مقصود الحكم وحكمته في اصطلاح الفقهاء فيقول:"على أن جمهور الفقهاء كانوا يذهبون في اجتهاداتهم إلى أن ما شرعه الله من أحكام، لم يشرعه الله إلا لمصلحة جلب منفعة لهم أو دفع مضرة عنهم، فلهذا كانت تلك المصلحة هي الغاية المقصودة من التشريع وتسمى حكمة". ثم قال:"أما حكمة الحكم فهي الباعث على تشريعه والمصلحة التي قصدها الشارع من شرعه الحكم".
وأما مصطلح العلة فهو مما يُعبر به عن مقصود الشارع، فيكون على هذا مرادفاً لمصطلح (الحكمة) وهذا هو الاستعمال الأصلي والحقيقي لمصطلح العلة ثم غلب استعماله فيما بعد بمعنى الوصف الظاهر المنضبط الذي تناط به الأحكام الشرعية، على أساس أن الحكمة وهي مناط الحكم ومقصوده في حقيقة الأمر ترتبط غالباً بذلك الوصف الظاهر المنضبط، الذي يسهل إحالة الناس عليه في تعرفهم لأحكام الشارع - كما أوضح ذلك الدكتور الريسوني - ففي باب الرخص مثلاً، لاشك أن رفع المشاق عن الناس والتخفيف عنهم هي الحكمة والمقصود، وهي العلة الحقيقية للرخص الشرعية، ولكن الشارع لا يقول للمكلفين: كلما وجدتم عنتاً فترخّصوا. وإنما حدد لهم أمارات معروفة وأسباباً معينة، هي ما يسميه الأصوليون: الأوصاف الظاهرة المنضبطة، فبناء عليها يقع الترخيص كالسفر والمرض والعجز والإكراه.