فهذه الأوصاف أو الأمارات المنضبطة يطلق عليها العلل أو الأسباب بينما العلة الحقيقية والسبب الحقيقي هو مقصود الحكم وحكمته من جلب مصلحة أو درء مفسدة أو هما معاً، ولكن الشارع يربط الأحكام بأمارات ظاهرة منضبطة ضبطا للأحكام وتجنباً للفوضى في التشريع. على أن تلك الأمارات تكون متلازمة عادة مع المصالح أو المفاسد التي هي علة التشريع الحقيقية أو تكون مظنة لها. قال الشاطبي:"فنصب الشارع المظنة في موضع الحكمة ضبطا للقوانين الشرعية".
نخلص من هذا إلى أن العلة - وإن استعملتْ استعمالات متعددة مختلفة - لكن معناها الحقيقي والأصلي هو الحكمة والمصلحة.
يقول الشاطبي:" ... وأما العلة فالمراد بها الحِكم والمصالح التي تعلقت بها الأوامر أو الإباحة، والمفاسد التي تعلقت بها النواهي ... فعلى الجملة: العلة هي المصلحة نفسها أو المفسدة نفسها ... ".
وهذا الذي صنعه الشاطبي من تفسير العلة- عنده - بالمصلحة والمفسدة المقصودة بالحكم هو اللائق في باب المقاصد، لأن البحث في المقاصد هو بحث في العلل الحقيقيّة التي هي مقاصد الأحكام بغض النظر عن كونها ظاهرة أو خفية منضبطة أو غير منضبطة، وعلى أساس هذا المعنى الأصلي لمصطلح العلة، تفرع مصطلح التعليل بمعناه العام، وهو تعليل أحكام الشريعة بجلب المصالح ودرء المفاسد.
أنواع المصالح:
وقد علم بالاستقراء أن المصالح المقصودة من الشرائع ثلاثة أنواع:
١- مصالح ضرورية: وهي التي تتوقف عليها حياة الناس الدينية والدنيوية بحيث إذا فقدتْ اختلتْ الحياة الإنسانية في الدنيا، وفات النعيم وحل العقاب في الآخرة، وهي تنحصر بالاستقراء في المحافظة على خمس: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال.