للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن ذلك ما قرره العلماء في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من اعتبار المصالح والمفاسد في ذلك والحرص على تقديرها قبل الهجوم بالأمر أو الإنكار: قال الإمام ابن تيمية - رحمه الله - في رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: "وإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات والمستحبات، ولابد أن المصلحة فيها راجحة على المفسدة إذ بهذا بعثت الرسل ونزلت الكتب والله لا يحب الفساد، بل كل ما أمر الله به هو صلاح وقد أثنى الله على الصلاح والمصلحين والذين ءامنوا وعملوا الصالحات، وذم الفساد والمفسدين في غير موضع، فحيث كانت مفسدة الأمر والنهي أعظم من مصلحته لم يكن مما أمر الله به، وإن كان قد ترك واجباً وفعل محرماً ... ".

وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "إن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يسوغ إنكاره وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله ... ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على منكر بطلب إزالته فتولد منه ما هو أكبر منه، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها، بل لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام عزم على تغيير البيت ورده على قواعد إبراهيم، ومنعه من ذلك مع قدرته عليه خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام وكونهم حديثي عهد بكفر.