وللصبَّان تعليل آخر إذ يقول:"وإنما سمّيت حروف الجر، إما لأنها تجرُّ معاني الأفعال إلى الأسماء، أي: توصلها إليها، فيكون المراد من الجرّ المعنى المصدري، ومن ثَمّ سمّاها الكوفيون حروف الإضافة، لأنها تضيف معاني الأفعال أي: توصلها إلى الأسماء، وإما لأنها تعمل الجرَّ فيكون المراد بالجرّ الإعراب المخصوص".
المبحث الثاني: أحوال نزع الخافض في العربية:
لحذف حرف الجرّ في العربية ثلاث حالات:
الأولى: أن يحذف قياساً مطّرداً - فيصير الفعل متعدّياً - وذلك مع الأحرف المصدرية (أنّ وأن) - وزاد ابن هشام:(كي) -، لطول الصلة، ولأن حرف الجر لم يظهر له تأثير في العمل، والحذف هنا مشروط بأن يتعيّن الحرف عند حذفه نحو: عجبت أن يفوز مهمل، أي من أن يفوز مهمل، أمّا إن لم يتعيّن الحرف فابن مالك وكثير من النحاة يمنعون الحذف، لأنه يؤدّي إلى لبس نحو: رغبت أن تذهب، إذ لا يعلم المراد بالرغبة (فيها أم عنها) ، ويشكل على هذا قوله تعالى:{وَتَرْغَبونَ أَنْ تَنْكِحوهُنَّ} إذ يصحّ أن تكون الرغبة في نكاحهنّ لجمالهنّ، ويصح أن تكون الرغبة عن نكاحهنَّ لدمامتهنّ، وأجيب عن هذا الإشكال بجوابين:
أحدهما: أن يكون حذف الحرف اعتماداً على القرينة الرافعة للبس وبه قال المرادي نقلاً عن أبي حيّان في منهج السالك، والذي في منهج السالك:"ويطّرد حذف حرف الجرّ من أنّ وأن إذا أمن اللبس فلا يجوز رغبت أن تقعد، لأنه ملبس، إذ يحتمل أن يكون المعنى رغبت في أن تقعد، ويحتمل أن يكون رغبت عن أن تقعد، فإن زال اللبس وتعيّن حرف الجر جاز ذلك نحو قول:{وَتَرْغَبونَ أَنْ تَنْكِحوهُنَّ} ".
وثانيهما: أن يكون حذف الحرف لمعنى بلاغي وهو قصد الإبهام ليرتدع بذلك الطامع والمعرض.