واختلف في محل (أنَّ) و (أن) عند حذف حرف الجر المطّرد حذفه معهما فقيل: محلّهما نصبٌ، قياساً على الاسم الصريح، ونُسب للخليل وإليه ذهب الفراء والمبرّد وعزاه ابن مالك - متابعاً ضياء الدين بن العلج - إلى سيبويه، وصححه، وقيل محلّهما جرٌّ ونُسب للكسائي، ومال إليه السيرافي، واستدلوا بقول الشاعر:
وَما زُرْتُ لَيْلى أَنْ تَكونَ حَبيبَةً
إليَّ وَلا دَيْنٍ بِها أَنا طالِبُهْ
بجر (دينٍ) عطفاً على محل: (أن تكون) إذ أصله (لأن تكون) .
وأجاز الزجاج الوجهين، وهو ظاهر مذهب سيبويه قال:"وسألت الخليل عن قوله جلّ ذكره: {وَأنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَّاحِدَةً وَّأَنا رَبُّكُمْ فَاتَّقونِ} فقال إنما هو على خذف اللام كأنه قال: ولأنَّ هذه أمتكم أمة واحدة، وأنا ربكم فاتقون، وقال: ونظيرها: {لإيْلافِ قُرَيْشٍ} ،لأنه إنما هو: لذلك {فَلْيَعْبُدُوا} ، فإنْ حذفْتَ اللامَ من (أنَّ) فهو نصب، كما أنك لو حذفت اللام من لإيلاف كان نصباً هذا قول الخليل. ولو قال إنسان: إنَّ (أنّ) في موضع جرٍّ في هذه الأشياء، ولكنه حرف كثر استعماله في كلامهم فجاز فيه حذف الجار كما حذفوا ربَّ في قولهم:
وَبَلَدٍ تَحْسَبُهُ مَكْسوحا
لكان قولاً قويّاً وله نظائر نحو قوله: لاهِ أبوك. والأوَّل قول الخليل".
الحالة الثانية: حذف جائز في سعة الكلام: المنثور والمنظوم، فيما سمع من أفعال استعملها العرب مرة متعدية بنفسها، وتارة بحرف الجرّ، مع الاتحاد في اللفظ والمعنى وهي:"شكر، ونصح، ووزن، وكال يكيل، يقال: شكرت له وشكرته، ونصحت له ونصحته، ووزنت له ماله ووزنته ماله، وكلت لزيد طعامه وكلته طعامه، وكذلك: اختار وأمر يقال اخترت زيداً قومَه واخترت زيداً من قومه، وأمرتك الخيرَ، وأمرتك بالخير"قال الشاعر: