وهذه الأفعال موقوفة على السماع، قال ابن مالك:"ومأخذ هذا النوع السماع" وسمّاها المتعدية بوجهين.
واختلف النحاة في أصالة هذه الأفعال التي تتعدّى مرة بنفسها ومرة بحرف الجرّ فذهب فريق: منهم ابن عصفور وأبو حيّان إلى أنَّ كلّ واحد منهما أصل برأسه، وليس أحدهما متفرعاً من الآخر، وذهب فريق ثانٍ منهم الشَّلَوْبين الصغير إلى أن الأصل في هذه الأفعال التعدي بنفسها، فإن دخل على المفعول حرف جرّ فهو زائد، وذهب ابن درستويه إلى أن الفعل (نصح) يتعدّى إلىمفعولين أحدهما بنفسه والآخر بحرف الجر، وأنكر الكسائي أن يقال: شكرتك ونصحتك ويرى أنَّ الصواب أن يقال: "شكرت لك ونصحت لك"وقال: هذا كلام العرب وقال الفراء: "العرب لا تكاد تقول شكرتك، إنما تقول شكرت لك، ونصحت لك، ولايقولون نصحتك، وربّما قيلتا"
وأجاز الأخفش الصغير: أن يُحكم باطراد حذف حرف الجر، والنصب فيما لا لَبْسَ فيه إذا كان الفعل يتعدّى إلى اثنين أحدهما بنفسه والآخر بواسطة حرف الجرّ، إنْ تعيّن الحرف، وتعين موضعه، كقول الشاعر:
تَحِنُّ فَتُبْدي ما بِها مِنْ صَبابَةٍ
وَأُخْفي الَّذي لَوْلا الأُسى لَقَضانِي
قال ابن مالك: "والصحيح أن يتوقف فيه على السماع".
الحالة الثالثة: حذف سماعي مخصوص بالضرورة كقول الشاعر:
يُشَبَّهونَ سُيوفاً في مَضائِهِمُ
وَطولِ أَنْضِيَةِ الأعْناقِ والأَمَمِ
أي: يشبّهون بسيوف، وقول الآخر:
كَأَ نِّيَ إذْ أَسْعى لأظْفَرَ طائِراً
مَعَ النَّجْمِ في جَوِّ السَّماءِ يُصَوِّبُ
أي: لأظفر بطائرٍ، وقول الآخر:
لَدْنٌ بِهَزِّ الكَفِّ يَعْسِلُ مَتْنُهُ
فيهِ كَما عَسَلَ الطَّريقَ الثَّعْلَبُ
أي: كما عسل في الطريق، وقول الآخر:
تَمُرّونَ الدِّيارَ وَلَمْ تَعوجوا
كَلامُكُمُ عَلَيَّ إذن حَرامُ
أي: تمرون بالديار، وقال الآخر:
أَسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنْباً لَسْتُ مُحْصِيَهُ
رَبَّ العِبادِ إلَيْهِ الوَجْهُ والعَمَلُ