"يعني: أنَّ الحرف إن حذف فلا بدّ للمنجر به من النصب، فيصير الفعل متعدّياً بنفسه بالعَرَضِ كالمتعدّي بحق الأصل، وذلك لأنه إذا تعلّق به فقد صار موضعه نصباً، ولذلك تقول مررت بزيدٍ وعمراً فتعطف على موضعه نصباً".
واختلف في عامل النصب حينئذٍ، فذهب الكوفيون إلى أن العامل هو نزع الخافض، وقال البصريون العامل هو الفعل نفسه قاله الصبان.
المبحث الرابع: المنصوب بعد (ما) الحجازية:
(ما) : حرف نفي غير مختص، يدخل على الجمل الاسمية نحو: ما محمد قائماً، وعلى الجمل الفعلية نحو: ما قام محمد، ومن حق الحرف غير المختص الإهمال، ولكن الحجازيين أعملوا (ما) عمل ليس فيرتفع المبتدأ بعدها على أنه اسم لها، وينتصب الخبر على أنه خبر لها، وأهمل إعمالها التميميون.
واختلف البصريون والكوفيون في ناصب الخبر بعدها، فذهب البصريون إلى أن ناصب الخبر هو:(ما) نفسها حملاً لها على ليس، وذهب الكوفيون إلى أن الخبر منصوب على نزع الخافض، والأصل جرّه بالباء، قال الفراء في قوله تعالى:{مَا هَذَا بَشَراً} :"نصبت {بَشَراً} ، لأن الباء قد استعملت فيه، فلا يكاد أهل الحجاز ينطقون إلا بالباء، فلما حذفوها أحبّوا أن يكون لها أثر فيما خرجت منه فنصبوا على ذلك) ، وقال ابن مالك:"وزعم الكوفيون أنّ (ما) لا عمل لها، وأنَّ نصب ما ينتصب بعدها بسقوط الباء. وما قالوه لا يصحّ، لأن الباء قد تدخل بعد هل، وبعد ما المكفوفة بـ (إنْ) ، وإذا سقطت الباء تعين الرفع بإجماع، فلو كان سقوط الباء ناصباً لنصبه في هذين الموضعين، ومثل تعين الرفع في هذين الموضعين عند سقوط الباء تعينه عند سقوطها في نحو كفى بزيد رجلاً، وبحسب عمرو درهمٌ، وتعينه عند سقوط من في نحو: ما فيه من رجل".