أولئك أزد السراة، أما أزد عمان، وأزد غسّان، فلم يأخذ عنهم اللغويون حين بدأوا في تدوين اللغة، كما لم يأخذوا عن قبائل أخرى لاختلاطها بأمم غير عربية، وفي ذلك يقول أبو نصر الفارابي:"الذين عنهم نقلت اللغة العربية، وبهم اقتدي، وعنهم أخذ اللسان العربي من بين قبائل العرب، هم قيس وتميم وأسد، فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أخذ ومعظمه، وعليهم اتكل في الغريب، وفي الإِعراب والتصريف، ثم هذيل وبعض كنانة، وبعض الطائيين، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم.
وبالجملة فإنه لم يؤخذ عن حضريّ قط، ولا عن سكان البراري ممن كان يسكن أطراف بلادهم التي تجاور سائر الأمم الذين حولهم.
فإنه لم يؤخذ لا من لخم، ولا من جذام، فإنهم كانوا مجاورين لأهل مصر والقبط، ولا من قضاعة، ولا من غسّان، ولا من إياد، فإنهم كانوا مجاورين لأهل الشام، وأكثرهم نصارى، يقرأون في صَلاتهم بغير العربية، ولا من تغلب، ولا من النمر، فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونانية، ولا من بكر لأنهم كانوا مجاورين للنبط والفرس، ولا من عبد القيس، لأنهم كانوا من سكان البحرين مخالطين للهند والفرس، ولا من أزد عمان، لمخالطتهم للهند والفرس، ولا من أهل اليمن أصلاً، لمخالطتهم الهند والحبشة، ولولادة الحبشة فيهم، ولا من حنيفة وسكان اليمامة، ولا من ثقيف وسكان الطائف، لمخالطتهم تجار الأمم المقيمين عندهم، ولا من حاضرة الحجاز، لأن الذين نقلوا اللغة صادفوهم حين ابتدأوا ينقلون لغة العرب قد خالطوا غيرهم من الأمم، وفسدت ألسنتهم".