للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حفلت كتب اللغة والنحو والقراءات والتفسير بمادة وفيرة من لغات الأزد، وكانت مصدرًا مهمًا من مصادر الاحتجاج اللغوي والنحوي عند علماء العربية وغيرهم. وسأكتفي في هذا المبحث بضرب أمثلة لعدد من الظواهر التي اتسمت بها هذه اللغات، وذكرها العلماء معزوة إليهم، ليبرز لنا من خلالها أهمية لغات الأزد وأثرها في العربية، وذلك من غير ما إسهاب وتفصيل، إلا ما احتاج إلى شيء من التوضيح، فليس غرضي في هذا المبحث دراسة ما كانت تتسم به هذه اللغات من ظواهر صوتية، أو نحوية، أو ظواهر البنية أو الدلالة دراسة تحليل وتعليل، فهذا مما يضيق عنه هذا البحث، إذ تحتاج كل ظاهرة منها إلى بحث مستقل.

وفيما يلي شواهد تمثل لغاتهم على المستويات الآتية:

١- المستوى الصوتي:

روي عن أزد السّراة أنهم كانوا يسكّنون هاء الغائب المتحرك عند الوصل، كقولهم في (لَهُ مالٌ) : (لَهْ مالٌ) .قال الأخفش: "وهذا في لغة أزد السّراة كثير".واستشهد هو وغيره بقول يعلى الأزدي:

فظَلْتُ لدى البيت العتيق أخِيلَهُ

ومِطْواي من شوقٍ لَهْ أرِقَانِ

واستشهدوا بهذه اللغة على قراءة ابن عباس (رضي الله عنهما) {ونادَى نُوحٌ ابْنَهْ} (١) بإسكان الهاء.

وإذا كانت الفصحى تقف على المنون بإبدال تنوينه ألفًا، إن كان بعد فتحة، وبحذفه إن كان بعد ضمة أو كسرة بلا بدل، فإن أزد السّراة يقفون بإبدال التنوين ألفًا بعد الفتحة، وواوًا بعد الضمة، وياء بعد الكسرة، فيقولون: رأيت زيدا، وهذا زيدو، وهذا عُمَرو، ومررت بزيدي، وبعمري. عزا هذه اللغة إليهم سيبويه، وقال: "جعلوه قياسًا واحدًا، فأثبتوا الياء والواو كما أثبتوا الألف".


(١) سورة هود ٤٢. وينظر في قراءاتها: المحتسب ١/٣٢٣، وشواذ القرآن ٦٠، والبحر المحيط ٦/١٥٧، والدر المصون٦/٣٢٨.