للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو قياس طريف له وجه مقبول، ووصْفُ ابن الشجري لهذه اللغة بالرداءة، وتعليل ذلك بثقل الواو والضمة، والياء والكسرة، ولالتباس الياء في نحو: مررت بزيدي وبغلامي بياء المتكلم، لا يقدح في فصاحة هذه اللغة. قال السيوطيّ: "وكأن البيان عندهم أولى، وإن لزم الثقل".

ولعلهم - أعني: أزد السّراة - قد حذفوا التنوين في الرفع والجر على القياس من كلام العرب، ثم أشبعوا الضمة فتولد عنها واو، وأشبعوا الكسرة فتولد عنها الياء. والإشباع ظاهرة تكاد تكون مطردة في لغاتهم، كقول الشنفرى الأزدي:

أو الخَشْرَمُ المبعوثُ حَثْحَثَ دَبْرَهُ

محابيضُ أرساهنَّ شارٍ مُعَسَّلِ

قال الزَّبيدي: "أشبع الكسرة في محابضَ فولّد ياء، وأراد بالشّاري الشّائر فقلبه".

ولا تزال هذه الظاهرة باقية إلى اليوم في أزد السراة، فأنت تسمعهم يقولون في أخذتُه للمتكلم، وأعطيتَه للمخاطب،وأعطيتِه للمخاطبة: "أخذتُوه، أعطيتَاه، أعطيتِيه". أشبعوا الحركات الثلاث فتولد عنها حروف المد الثلاثة.

وقد استشهدوا بهذه اللغة على كتابة (مُحِلّي) بالياء، والوقوف عليه بها في قوله تعالى: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} (١) .

وتكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم في مخاطبة امرأة، فقال: "لو راجعتيه فإنه أبو ولدك" (٢) .

ومن الظواهر الصوتية التي عزيت إلى الأزد ظاهرة الإتباع، وهو ضرب من تأثر الحركات المتجاورة بعضها ببعض، وغايته تحقيق الانسجام بين الأصوات، كقولهم: (الحَمْدِ لله) بكسر الدال إتباعًا لكسرة اللام، أو (الحمدُ لُلَّه) بضم اللام إتباعًا لحركة الدال.


(١) سورة المائدة ١. وينظر: البحر المحيط ٤/١٦٣، والدر المصون ٤/١٨٣ - ١٨٤.
(٢) أخرجه ابن ماجة (٢٠٧٥- ١/٦٧١) والطبراني في المعجم الكبير (١١٩٦٢- ١١/٣٤٥) .