للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وغلَّط كثير من النحاة واللغويين قراءة أبي جعفر يزيد بن القعقاع قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ} (١) بضم التاء إتباعًا لحركة الجيم.

وذكر ابن الجزري أن هذه القراءة جاءت على لغة أزد شنوءة، ومن ثم رد على من طعن في صحتها، بقوله: "إن أبا جعفر إمام كبير، أخذ قراءته عن مثل ابن عباس وغيره، كما تقدم، وهو لم ينفرد بهذه القراءة، بل قد قرأ بها غيره من السلف، ورويناها عن قتيبة عن الكسائي من طريق أبي خالد، وقرأ بها أيضًا الأعمش، وقرأنا بها من كتاب المبهج وغيره، وإذا ثبت مثله في لغة العرب فكيف ينكر؟ ".

أضف إلى ذلك أن القراءة سنة متبعة، فمتى صحت، ونقلت نقلاً صحيحًا، وجب قبولها، ولا عبرة بكونها جاءت على غير ما هو مشهور في لغة العرب، فالقواعد التي اصطلح عليها علماء العربية لا ينبغي أن تكون هي الحكم في القراءة، بل العكس هو الصحيح.

وإذا كان الهمز ليس من لغة الفصحاء، كما قال الهجري، فإن قبائل الأزد عامة تميل إلى التخلص من الهمزة أنى وقعت، في أول الكلام أو في وسطه أو في آخره. روى أبو زيد عن أهل المدينة - ومعظم أهلها من الأزد - أنهم لا ينبرون. ولما حج المهدي، وقدّم الكسائي يصلي بالمدينة فهمز، فأنكر أهل المدينة عليه، وقالوا: تنبر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن؟.

وروي عن الأنصار في قول العرب: "رجل وائل: رجل آيل".

كما روي عنهم أيضًا أنهم يقولون: بدينا في معنى بدأنا. قال شاعرهم عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:

باسم الإله وبه بدينا

ولو عبدنا غيره شقينا

وأرجأت الأمر وأرجيته لغتان، عزيت الأخيرة إلى الأزد، ووصفت بأنها لغة جيدة. وبها قرأ نافع وأهل المدينة قوله تعالى: {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} (٢) بغير همز.


(١) سورة البقرة ٣٤.
(٢) سورة الأعراف ١١١، والشعراء ٣٦. وينظر. السبعة ٢٨٧، والحجة لأبي علي، ٤/٥٨، وعلل القراءات ١/٢٢٤، واللسان (رجو) ١٤/٣١١.