والمقصود بالجانب النوعي: التوسع في قاعدة العلوم المعرفية في الطب والهندسة والحاسبات والصيدلة والفيزياء، ونحو ذلك، بما يحقق للأمة قوى بشرية مبدعة في تخصصاتها، وفق نظرة شمولية، ذات تطلعات مستقبلية، وبما لا يجعلها تركز على ما تحتاجه اليوم غافلة عن حاجاتها ليوم غدها.
فالدراسات المسحية تشير إلى أن مدخلات التعليم منصبة على الدراسات النظرية، دون التخصصات الأخرى، فقد بلغت نسبة التخصصات النظرية عام ١٩٨٥م (٧٥%) في حين أنها بلغت (٢٥%) فقط في التخصصات الأخرى. كما أظهرت الإحصائيات لسنوات مختارة (١٤٠٠، ١٤٠٥، ١٤١٠،١٤١٥هـ) أن متوسط نسبة خريجي التعليم العالي من الدراسات النظرية بلغت (٧٩,٩%) . أي أن (٢٠,١%) في التخصصات المعملية التجريبية.
فهذه الحدود الكمية قد تجعل عجزاً يواجه الأمة حالياً ومستقبلاً، وتقلل من نسبة الإبداع المعرفي في الجوانب الأخرى، لأن مقتضى التجربة والحكمة يؤكد أنه ليس كل من التحق بتخصص سيبدع فيه، كما أن قلة الملتحقين سيؤدي إلى قلة المبدعين، لذلك لا بد أن تعي المؤسسات التربوية الحدود الكمية وأثرها على النسبة النوعية للإبداع في كل تخصص أو فن.
٢- الجانب الخُلُقي:
يعتبر الجانب الخُلُقي أسّاً وركيزة لا غنى عنهما في الجانب الإبداعي، حتى تأخذ بأيدي المتفوقين فيما يتفتق عن أذهانهم وخبراتهم نحو الخير والبناء والإصلاح، لأن واقع الإبداع يشير إلى أن المتفوقين الذين فقدوا الجانب الأخلاقي، كانوا دماراً على المجتمعات بما أنتجوا من ابتكارات، فمخترع القنبلة الذرية رجل مبدع لا شك في ذلك، ولكن فقدان الجانب الأخلاقي جعله يسخر ذهنه في ابتكار ما يدمر به البشرية. وما نتج عن الهندسة الوراثية من التوصل لما يسمى بالاستنساخ البشري ما هو إلا نتيجة جنوح إبداعي غير أخلاقي.