"وأما قولكم: إن القلم أحد اللسانين، وإن المرأة لجهلها بهذا اللسان وضرب الحجاب الشديد تأمن شر اللسانين ... فقد أخطأتم في ذلك خطأ فاحشاً، ألم تعلموا أن الفتاة التي ربيت على العفاف والتحصن لا يصل إليها سوء ولو كانت بين الرجال في غير ريبة، وقد كانت النساء يرافقن رجالهن في الغزوات، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصحب معه نساءه في الغزو والحج، وكانت نساء الصحابة غير قابعاتٍ في بيوتهن، بل يخرجن لأشغالهن إن كانت، ويعلفن الخيل ويكدحن في أموالهن. وكان النساء يغزون بعد النبي صلى الله عليه وسلم ... وذلك مسطور في كتب الحديث لا نطيل بذكره، فلم يضرهن ذلك لقوة إيمانهن وكمال عفافهن ... ".
لا أريد هنا أن أخالف الكاتب الكريم في رأيه في أولئك الذين منعوا المرأة حق التعلم والكتابة، ولا في حكمه الذي يقول فيه: إن الفتاة إذا أسيئت تربيتها لا يمكن صيانتها ... فإن هذا مما تتفق عليه العقول. ولكنني أريد أن أشير إلى أن تلك الأوصاف التي أسهب في ذكرها عن المرأة المسلمة في الصدر الأول لا تنطبق عليها كل الانطباق، ولا يمكن أن يُؤخَذَ منها حكم عام يعم النساء في ذلك العصر ... فلم يكن نساء ذلك العصر خارجاتٍ ضارباتٍ في الأرض كادحاتٍ في أموالهن كما يكدح الرجال، وإنما كُنّ في معظم أحوالهن عاملات في ميدان عملهن الأول المناسب لطبيعتهن ألا: وهو البيت، حيث ترعى المرأة فيه أمور البيت والزوج، وتسهر على تربية الأولاد وتنشئتهم التنشئة الصالحة، فتتفرغ بذلك لأعمالها وتقوم بوظيفتها حق القيام ... ولولا أن القرار في البيوت هو الأصل المنسجم مع طبيعة المرأة لما أمرها الله عز وجل بذلك في صريح كتابه {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى..}{أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} !!