وفي تفسير هذه الآية يقول الإمام القرطبي:"معنى هذه الآية: الأمر بلزوم البيت، ثم يقول: كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة ... ".
ثم نرى الكاتب المذكور يختم حديثه عن هؤلاء وأولئك بقوله في ص ٢٤:
"ولو قام رجال عقلاء صالحون بتغيير هذه العادة ورد النساء إلى ما كن عليه في زمان النبي صلى الله عليه وسلم – وهو: ما عليه نساء القرى والبوادي في البلاد الإسلامية بأسرها من أول ظهور الإسلام إلى اليوم – مع أدب غض البصر ونحوه، لوجب أن يُصغي لإصلاحهم، وأن يعانوا عليه ... ".
فهل يعجب الكاتب الكريم أن تسفر نساء المدن اليوم سفور أهل القرى زاعمات مع ذلك الاقتداء بسلفهن!؟
وكيف يجرؤ على أن يحكم على النساء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أنهن كن سافرات الوجوه سفور أهل القرى والبوادي!؟ _ حاشاهن من ذلك – فإن النصوص الكثيرة المتوافرة تؤكد لنا بأن ستر الوجه أمر مألوف معروف في القرون الأولى، وأن النساء المؤمنات كن يسترن وجوههن حتى في حالة الإحرام إذا ما مرّ أمامهن الرجال ... ولا عجب فلقد كانت المرأة المسلمة تعتبر كشف الوجه كشفاً للحياء ومصيبة من المصائب ...
فهذه أم خلاّدٍ رضي الله عنها – كما يروي أبو داود – تأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم "متنقبة" وهي تسأل عن ابنها المقتول ... فيستغرب أحد الحاضرين نقابها ووقارها وهي على ما عليه من مصيبة، فتجيبه معبرة عن مفهوم المرأة المسلمة عن الحجاب:"إن أرزأُ ابني فلن أرزأ حيائي".