وسبب نزول هذه الآيات أن نفراً من الأوس والخزرج كانوا جلوساً يتحدثون فمر بهم شاس بن قيس اليهودي فغاظه ما رآه من ألفتهم بعد ما كانوا عليه من العداوة في الجاهلية. وقال والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم من قرار. فأمر شاباً من اليهود أن يجلس معهم ويذكرهم يوم (بُعَاث) وينشدهم بعض ما قيل فيه. وكان الظفر في ذلك اليوم للأوس. ففعل. فتنازع القوم وتفاخروا وتغاضبوا وقالوا. السلاح. السلاح، فاجتمع من القبيلتين خلق عظيم. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين والأنصار من أصحابه حتى جاءهم. فقال:"يا معشر المسلمين ألله ألله. أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن أكرمكم الله بالإسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية وألف بين قلوبكم". فعلموا أنها نزغة من الشيطان وكيد من أعدائهم فألقوا السلاح واستغفروا وعانق بعضهم بعضاً وانصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والسبب خاص. ولكن الخطاب عام لجميع المؤمنين في جميع العصور. وقد خاطبهم الله تعالى لإشعارهم بأنهم الجديرون بمخاطبة الله وتكريمه.
والآية الأولى تكشف للمؤمنين عن أعدائهم وتحذرهم من خطرهم مبينة لهم أن طاعتهم لفريق من أهل الكتاب تفضي بهم إلى الكفر وقد حدث لهم من اليهود ما أثار الفتنة بينهم ولولا أن رسول الله حضر وذكرهم بنعمة الإسلام التي ألفت بين قلوبهم لعادوا إلى ما كانوا عليه في الجاهلية وقد حذر الرسول من تنازع المسلمين في حجة الوداع فقال:"لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" والآية الثانية {وَكَيْفَ تَكْفُرُون} إنكار وتعجب لحدوث طاعة منهم لأهل الكتاب تجرهم إلى الكفر وتنحرف بهم عن دينهم والحال أن آيات الله تتلى عليهم والرسول صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم يرشدهم ويهديهم إلى طريق العزيز الحميد ثم بين لهم أن من اعتصم بالله وتمسك بدينه كان في غنى عن غيره وفاز بالاهتداء إلى الصراط المستقيم.