أما الآية الثالثة: فإن الله ينادي المؤمنين آمراً لهم بأن يتقوه حق تقواه بحيث لا يتركون شيئاً مما يلزم فعله ولا يفعلون شيئاً مما يلزم تركه وعليهم أن يبذلوا في ذلك جهدهم واستطاعتهم طائعين لله غير عاصين متذكرين له غير ناسين شاكرين له دون كفر.
وأن يداوموا على تقواه فلا يلقون الله إلا وهم مسلمون.
ثم يأمرهم الله في الآية الرابعة بأن يعتصموا بحبل الله. و (العصمة) : المنعة؛ أي يمتنعون به عن كل ما يضرهم. وحبل الله هو القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لأنه تنزيل من حكيم حميد وقد روي عن الرسول:"إن هذا القرآن حبل الله".
و (الحبل) : لفظ مشترك بين معان متعددة المناسب منها للآية ما ذكرناه وأصله في اللغة. السبب الذي يوصل إلى البغية والحاجة وينهاهم عن التفرق الذي يشتت شملهم ويمزقهم كل ممزق بقوله {وَلا تَفَرَّقُوا} كما يأمرهم في هذه الآية بتذكر نعمة الله الكبرى عليهم وهي الإسلام ليشكروها بالمحافظة عليها حيث قضت على ما كان عليه الأوس والخزرج قبل الإسلام من نزاع اصطلوا بناره عشرات من السنين فألف الله بين قلوبهم بالإسلام وصاروا بنعمته إخواناً ونجاهم الله وهم مشرفون على الهلاك بهدايتهم {وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} والشفا: الحرف. ومثل ذلك البيان العظيم بين الله لكم آياته لعلكم تهتدون.
وقد بين سبحانه وتعالى في هذه الآيات أسساً ثلاثاً تقوم عليها بناء الأمة الإسلامية وتحيا بها في عزة ومنعة تؤدي رسالة الله في أرضه.
الأساس الأول:
التحذير من متابعة أعداء الأمة الإسلامية وهم أهل الكتاب فلا يأخذوا منهم شيئاً يعتقدونه ولا تشريعاً يعملون به ولا يقلدونهم في أخلاقهم وعاداتهم؛ لأنهم في غنى عن ذلك كله بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.