للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا تزال هذه اللغة منتشرة في أماكن مختلفة من الوطن العربي، فقد سُمعت في العراق وفي صحاري مصر وفي غرب السودان وشرقه.

ولم يسمع للاستنطاء مثال آخر غير الفعل أعطى في لغة القبائل التي روي عنها، ومن هنا استبعد الدكتور رمضان عبد التواب أن تقلب العين وهي حرف حلقي إلى النون وهي حرف غير حلقي، فمخرج كل منهما بعيد عن مخرج الأخرى. قال: "ومن المعروف أن الصوت لا يقلب إلى صوت آخر إلا إذا كان بين الصوتين نوع من القرابة الصوتية في المخرج والصفة" وقد أشرنا من قبل إلى رأي فريق من العلماء القدامى والمعاصرين الذي يشترط وجود علاقة صوتية بين الحرفين المبدلين تدعو إلى إحلال أحدهما محل الآخر.

ويرى الدكتور عبد الغفار حامد هلال أن تباعد مخرجي النون والعين ليس مبررًا كافيًا يمنع أن تقلب العين نونًا، فالصوتان وإن تباعد مخرجاهما إلا أن بينهما تقاربا في بعض الصفات يسوغ التبادل بينهما، كالجهر والانسفال والانفتاح، ثم هما أيضًا صوتان متوسطان بين الرخاوة والشدة.

ومحاولة تفسير هذه الظاهرة بإيجاد علاقة صوتية بين العين والنون أراه تكلفًا لا مسوغ له، فيكفي أن نقول: إنهما لغتان، لأن إبدال العين نونًا لم يصدر - بالتأكيد - عن ناطق واحد، بل هما - كما يقول أبو الطيب اللغوي في تفسير ظواهر الإبدال - لغتان مختلفتان هذه لقبيلة، وتلك لأخرى.

وكان الدكتور إبراهيم أنيس يرى "أن الأمر لم يكن مقصورًا على الفعل (أعطى) بل يتعلق بكل (عين) سواء وليها طاء أو صوت آخر. فلعل من القبائل من كانوا ينطقون بهذا الصوت بصفة خاصة نطقًا أنفميًا، وذلك بأن يجعلوا مجرى النفس معه من الفم والأنف معًا، فتسمع العين ممتزجة بصوت النون وليست في الحقيقة نونًا، بل هي (عين) أنفمية. وعلى هذا فيمكن أن يقال: إن الرواة قد سمعوا هذه الصفة ممثلة في الفعل (أعطى) فأشكلت عليهم، ولم يصفوها لنا على حقيقتها".