ليس تكذيب قريش لك غريباً في بابه، فريداً من نوعه، ولست أول من كذبه قومه، لقد جحدت أمة نوح عليه السلام رسالته، ومن بعدها عاد كذبوا هوداً، وثمود كذبوا صالحاً، وفرعون الجبار الشديد الأذى كذب موسى، وأهل سادوم وعمورة من دائرة الأردن كذبوا لوطاً، وأصحاب الغيضة أهل مدين كذبوا شعيباً، أولئك المتحزبون المتعصبون حقاً، ما وصفوا بغير تكذيب رسلهم وجحد رسالات ربهم، فأنزلت بهم عقابي، وأحللت عليهم غضبي، وهم أشد من أهل مكة قوة، وأكثر منهم جمعاً، فأغرقت قوم نوح بالطوفان، ودمرت فرعون غرقاً في اليم، وأرسلت على عاد ريحاً صرصراً في يوم نحس مستمر، وأخذت ثمود صاعقة العذاب الهون، وجعلت عالي أرض سادوم وعمورة سافلها، وأرسلت عليهم حجارة من طين، وأخذ أصحاب يوم الأيكة عذاب يوم الظلة.
وما أنتم يا أهل مكة بخير من هؤلاء وليس لكم براءة من الزبر، وما تنظرون إلا نفخة القيامة، تؤمنون لديها، وتحاسبون عندها، وتعاقبون فيها، العقاب الشديد الذي لا يخطر لكم على بال، ولا يمر منكم على خيال.
ولقد سخر هؤلاء الفجرة من هذا الوعيد الشديد، واستهزءوا بهذا التهديد، وقالوا:{وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} .