قال ابن عباس محمود العقاد في كتابه "التفكير فريضة إسلامية "ففي كتب الأديان الكبرى إشارات صريحة أو مضمونة إلى التمييز، ولكنها تأتي عرضاً غير مقصودة وقد يلمح فيها القارئ - بعض الأحايين شيئاً - من الزراية بالعقل أو التحذير منه؛ لأنه مزلة العقائد وباب من أبواب الدعوى والإنكار. ولكن القرآن الكريم لا يذكر العقل إلاّ في مقام التعظيم والتنبيه إلى وجوب العمل به والرجوع إليه ولا تأتي الإشارة إليه عارضة ولا مقتضبة في سياق الآية، بل هي تأتي في كل موضع من مواضعها مؤكدة جازمة باللفظ والدلالة وتتكرر في كل معرض من معارض الأمر والنهي التي يحث فيها المؤمن على تحكيم عقله أو يلام فيها المنكر على إهمال عقله وقبول الحجر عليه. ولا يأتي تكرار الإشارة إلى العقل بمعنى واحد من معانيه التي يشرحها النفسانيون من أصحاب العلوم الحديثة، بل هي تشمل وظائف الإنسان العقلية على اختلاف أعمالها وخصائصها وتتعمد التفرقة بين هذه الوظائف والخصائص مواطن الخطاب ومناسباته، فلا ينحصر خطاب العقل في العقل الوازع ولا في العقل المدرك ولا في العقل الذي يناط به التأمل الصادق والحكم الصحيح، بل يعم الخطاب في الآيات القرآنية كل ما يتسع له الذهن الإنساني من خاصة أو وظيفة، وهي كثيرة لا موجب لتفصيلها في هذا المقام المجمل، إذ هي جميعاً مما يمكن أن يحيط به العقل الوازع والعقل المدرك والعقل المفكر الذي يتولى الموازنة والحكم على المعاني والأشياء.