للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالعقل في مدلول لفظه العام ملكة يناط بها الوازع الأخلاقي أو المنع عن المحظور والمنكر ومن هنا كان اشتقاقه من مادة "عقل"التي يؤخذ منها العقل، وتكاد شهرة العقال بهذه التسمية أن تتوارد في اللغات الإنسانية الكبرى التي يتكلم بها مئات الملايين من البشر. فإن كلمة "مايند"وما خرج من مادتها في اللغات الجرمانية تفيد معنى الاحتراس والمبالاة وينادى بها على الغافل الذي يحتاج إلى التنبيه. ونحسب أن اللغات في فروعها الأخرى لا تخلو من كلمة في معنى العقل لها دلالة على الوازع أو على التنبيه والاحتراس.

ومن خصائص العقل ملكة الإدراك التي يُناط بها الفهم والتصور وهي على كونها لازمة لإدراك الوازع الأخلاقي وإدراك أسبابه وعواقبه تستقل أحياناً بإدراك الأمور فيما ليس له علاقة بالأوامر والنواهي أو بالحسنات والسيئات.

ومن خصائص العقل أنه يتأمل فيما يدركه ويقلبه على وجوهه ويستخرج منها بواطنه وأسراره. ويبني عليها نتائجه وأحكامه وهذه الخصائص في جملتها تجمعها ملكة "الحكم "وتتصل بها ملكة الحكمة، وتتصل كذلك بالعقل الوازع إذا انتهت حكمة الحكيم به إلى العلم بما يحسن وما يقبح وما ينبغي له أن يطلبه وما ينبغي له أن يأباه.

ومن أعلى خصائص العقل الإنساني "الرشد"وهو مقابل لتمام التكوين في العقل الرشيد، ووظيفة الرشد فوق وظيفة العقل الوازع والعقل المدرك والعقل الحكيم؛ لأنها استيفاء لجميع هذه الوظائف وعليها مزيد من النضج والتمام والتمييز بميزة الرشاد حيث لا نقص ولا اختلال. وقد يؤتى الحكيم من نقص في الإدراك، وقد يؤتى العقل الوازع من نقص في الحكمة، ولكن العقل الرشيد ينجو به الرشاد من هذا وذاك.