ثالثاً: إذا دخل المسلم في النسك لَبَّى بالتوحيد قائلاً - كما قال صلى الله عليه وسلم في تلبيته -: "لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك". يقولها وهو مستشعر لما دلت عليه من إفراد الله بالعبادة وأنه وحده الذي يخص بها دون ما سواه، فكما أنه سبحانه وتعالى المتفرد بالخلق والإيجاد فهو الذي يجب أن تفرد له العبادة دون غيره كائناً من كان، وصرف شيء منها لغير الله هو أظلم الظلم وأبطل الباطل. وهذه الكلمة يقولها المسلم إجابة لدعوة الله عباده لحج بيته الحرام.. فيستشعر المسلم عظمة الداعي، وعظم أهمية المدعو إليه فيسعى في الإتيان بما دعى إليه على الوجه الذي يرضي ربه تعالى مع استيقانه بأن المدار في هذه العبادة وغيرها من العبادات على الإخلاص لله كما دلت عليه كلمة التوحيد التي تضمنتها هذه التلبية وعلى المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما أرشد إلى ذلك -صلى الله عليه وسلم- في حجته حيث قال:"خذوا عني مناسككم".
رابعاً: وإذا وصل المسلم إلى الكعبة المشرفة يشاهد عبادة الطواف حولها وهي عبادة لا تجوز في الشريعة الإسلامية إلا في المكان، وكل طواف في غير ذلك المكان إنما هو من تشريع الشيطان ويدخل فاعله في جملة من عناهم الله بقوله:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} .
ويشاهد أيضاً تقبيل الحجر الأسود واستلامه واستلام الركن اليماني، ولم تأت الشريعة بتقبيل أو استلام شيء من الأحجار والبنيان إلاّ في هذين الموضعين، ولما قبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحجر الأسود بيّن أنه فعل ذلك متبعاً للرسول صلى الله عليه وسلم في تقبيله إياه وقال:"ولولا أني رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك".