إن هذا المحيط الذي اكتنف الفهد في صباه ليس بغريب على أمراء هذه الأسرة المباركة منذ أجيال خلت، كان من ثماره التكاتف والحب الكبير الذي يربط أفراد الأسرة كما يربط الشعب بقيادته، تلاحم في قوة، وقوة في ثقة، إنه نسيج فريد أساسه العقيدة الرابطة والعمل من أجلها، هذه خلاصة يستنتجها المتأملون في تاريخ آل سعود منذ التعاضد التاريخي بين المحمدين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب، على تبني عقيدة التوحيد الخالصة ونشرها ورفع لوائها، لقد كان من مظاهر هذا التفاني في خدمة الدين والذب عنه ما تكاد تنفرد به هذه الأسرة المباركة.
قال المؤرخ عبد الرحمن الرويشد:"إن آل سعود عجيبون في تاريخ الأسر الحاكمة لا تجد من ينفق على شئون إمارته أو مملكته من ماله الخاص، بينما آل سعود فعلوا ذلك وقد قادني إلى معرفة هذه المعلومة العجيبة الوثائق التي وجدتها من خلال عملي عضوا في دائرة أوقاف الأسرة"(١) .
ذلكم هو الفهد في مدارجه الأولى وصباه الميمون، وتلك هي البيئة والمحضن الذي تدرج فيه، لقد تدرج في مهد مجلل بالإيمان والحكمة، يعمل فيه الجميع من أجل العقيدة ورفع لوائها والذود عن حماها، ويرون ذلك من الواجبات الشرعية والمآثر المرعية.
المبحث الثاني:(مناهله)
منهله الإيماني:
لا يجد الباحثون والمتأملون كبير صعوبة في الوقوف على المنهل الإيماني الذي تشربه الفهد وهو في مقتبل العمر، أم رؤوم تربيه على مكارم الأخلاق وتغرس فيه حب الله ورسوله، وأب حصيف يقضي نهاره مجاهدا لإعلاءكلمة الله والنظر في مصالح شعبه، وجزءاً من الليل في التبتل في محراب المناجاة يناجي ربه ويستلهمه العون ويتلو كتابه، وينزل ببابه حاجاته وما يعتلج في صدره من رغبة كبيرة في خدمة هذا الدين..
(١) عبد الرحمن الرويشد (مؤرخ الأسرة السعودية المالكة) مجلة المجلة، العدد (١١٣٤) ١٩ شعبان ١٤٢٢هـ، ص ٢٤