للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- ولكن مع ما ذُكر أقول: إنّ الله - تبارك وتعالى - قد أجاب عن قول المشركين في آية سورة الزخرف: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} في ذات الموضع في الآية بعدها وبنفس السورة بما يدحض قولهم ويبيّن بطلانه وقد تكون آية سورة القصص ههنا تتمة لذلك الجواب بأسلوب آخر وفي موضع آخر ناسب الردّ عليهم مرة أخرى لبيان شناعة قولهم ذلك، وكان الجواب عليهم آنذاك هو قوله تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (١) والمعنى أنّه لمّا قسم الله تعالى بين الناس معيشتهم فكانوا مسيرين في أمورهم على نحو ما هيأ لهم من نظام الحياة، وكان تدبيره ذلك ببالغ حكمته فجعل منهم أقوياء وضعفاء وأغنياء ومحاويج فسخر بعضهم لبعض في أشغالهم على حسب دواعي حاجة الحياة، ورفع بعضهم فوق بعض، وجعل بعضهم محتاجاً إلى بعض.. فإذا كانوا بهذه المثابة في تدبير المعيشة الدنيوية، فكذلك الحال في إقامة بعضهم دون بعض للتبليغ فإنّ ذلك في أعظم شؤون البشر، ولمّا كان الاصطفاء للرسالة رحمة لمن يصطفى لها ورحمة للناس المرسل إليهم، جعل تحكّمهم في ذلك قسمة منهم لرحمة الله باختيارهم من يختار لها وتعيين المتأهِّل لإبلاغها إلى المرحومين.. وهو ما لا يملكونه ولا يستطيعونه (٢) .


(١) سورة الزخرف: الآية (٣٢)
(٢) انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور ج٢٥ ص٢٠١.