للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلى ما ذكرته فقول من قال إنّ هذه الآية: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ..} الآية نزلت جواباً فيما قاله الوليد بن المغيرة هو قول يحتاج إلى كثير من الدِّقة والتحري.. والأولى أن يقال إنّ هذه الآية الكريمة كانت ممّا نزل جواباً على مِثل ما قاله الوليد بن المغيرة وغيره في هذه الدعوى وذلكم الاقتراح. وإضافة إلى ذلك فإنّ هذا النصّ يفيد العموم وإن كان السياق يوجِّه إلى موضوع إرسال الرسل، والعبرة في مثله بعموم اللفظ لا بخصوص السبب والله أعلم.

مطلب: في بيان ما قبل التسبيح:

- يخبر الحقّ - تبارك وتعالى - في مطلع هذه الآية الكريمة مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أنّه المنفرد بالخلق والاختيار، وأنّه ليس له في ذلك منازع ولا مزاحم ولا معقِّب {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، والأمور كلّها خيرها وشرها مرجعها إلى تقديره وحكمته في خلقه (١) .

وكذلك هو سبحانه الذي يختار لخلقه من التشريع ما يشاء ولا اعتراض على اختياره وحكمه البتة ويؤيّد هذا المعنى قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ..} الآية (٢) .

- وإنّما ابتدأت الآية بإثبات أنّ الخلق لله تعالى - وإن كان معلوماً لدى المشركين - ليمهِّد للمقصود وهو قوله بعده {وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} .

والمراد: كما أنّ الخلق له تعالى ومن خصائصه فكذلك الاختيار (٣) .

- و (ما) في قوله {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} نافية على الأصّح.


(١) انظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج٣ ص٣٩٧.
(٢) سورة الأحزاب: الآية (٣٦) .
(٣) انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور ج٢٠ ص١٦٥.