للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- لمّا ذكر الله عز وجل فيما قبل حقيقة عيسى عليه السلام وأنّه خلقه عبداً نبياً نفى عن ذاته الكريمة اتخاذ الولد ردّاً على النصارى الذين قالوا ببنوّته - عليه السلام - تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً –فقال عزّ وجلّ: {مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ} أي ما يصحّ ولا يليق ولا يتأتّى ولا يُتصوّر في حقه جلّ وعلا أن يتخذ ولداً (١) . وكما قال الجمل (٢) في حاشيته على الجلالين: "والمعنى أنّ ثبوت الولد له محال" (٣) . وهو كقوله تعالى: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً} (٤) .

وهذه الجملة الكريمة تفيد انتفاء الولد عنه تعالى بأبلغ وجه؛ وذلك لأنّ لام الجحود تفيد مبالغة النفي، وأنّه ممّا لايلاقي وجود المنفي عنه ولأن في قوله: {أَنْ يَتَّخِذَ} إشارة إلى أنّه لو كان له ولد لكان هو خلقه واتخذه؛ فلم يَعْدُ أن يكون من جملة مخلوقاته، فإثبات البنوّة له خُلْف من القول، وكذلك فإن الإتيان بـ (مِن) مزيدة قبل المفعول في قوله: {مِنْ وَلَدٍ} يفيد تأكيد عموم النفي ومبالغته (٥) .


(١) انظر: تفسير البغوي ج٣ ص١٩٥؛ تفسير القرطبي ج١١ ص١٠٦؛ تفسير الخازن ج٤ ص٢٤٥؛ فتح القدير للشوكاني ج٣ ص٣٣٦؛ تفسير السعدي ج٥ ص١٠٤ أضواء البيان ج٤ ص٢٧٧.
(٢) هو سليمان بن عمر بن منصور العجيلي الأزهري الشافعي، المعروف بالجمل: فاضل من أهل مدينة عجيل (إحدى قرى الغربية بمصر) انتقل إلى القاهرة. له مؤلفات منها: الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين للدقائق الخفية (حاشية على الجلالين) ، وفتوحات الوهاب (حاشية على شرح المنهج في فقه الشافعي، توفي عام ١٢٠٤هـ (انظر: الأعلام للزركلي ج٣ ص١٣١) .
(٣) حاشية الجمل على الجلالين: ج٣ ص٦٢.
(٤) سورة مريم: الآية (٩٢) .
(٥) انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور ج١٦ ص١٠٢-١٠٣؛ أضواء البيان للشنقيطي ج٤ ص٢٧٧-٢٧٨.