للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- إنّه لمّا صدر عن المشركين تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم حين أخبرهم بحادثة الإسراء والمعراج وزعموا أنّ ما قاله لا يمكن له الحدوث البتة نزه الله ذاته العلية عن العجز والنقص في قدرته، إذ هو القادر على كل أمرٍ ولا يعجزه شيء، فما أخبر به نبيه صلى الله عليه وسلم هو حق وصدق. وهو منزه أيضاً عن أن يتخذ رسولاً كذاباً، بل إنّ ذلك – أيضاً - من نعمه تعالى على حبيبه وصفيّه محمدصلى الله عليه وسلم (١) .

- وإنّ افتتاح هذه الآية الكريمة في أول سورة الإسراء بالتسبيح من دون سبق كلام يتضمّن ما يجب تنزيه الله عنه ما يؤذن بأن خبراً عجيباً يستقبله السامعون دالٌ على عظيم القدرة من المتكلّم ورفيع منزلة المتحدّث عنه. وهذا على ما يدلّ عليه لفظ (سبحان) من معنى التعجب، وهو من استعمالاته عند العرب كما سبق وأن أشرت إليه (٢) . وفي هذا يقول صاحب نظم الدرر: "وفيه إيماء إلى التعجب من هذه القصة للتنبيه على أنها من الأمور البالغة في العظمة إلى حدِّ لايمكن استيفاء وصفه" (٣) .

- ثم إنّ من دلالات التسبيح – ههنا - أن الإسراء كان بروحه وجسده صلى الله عليه وسلم لأنّه إنّما يكون التسبيح عند الأمور العظام، فلو كان مناماً كما قال البعض لم يكن له كبير شأن حتى يتعجّب منه (٤) .

المبحث الثاني

تسبيح الله ذاته إثر الوعد والوعيد في آية سورة الروم:

قال الله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ. وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ} (٥) .

مطلب: في بيان مناسبة مجيء التسبيح في موضعه من السورة:


(١) انظر: تفسير البغوي ج٣ ص٩٢؛ تفسير ابن كثير ج٣ ص٢؛ زاد المسير لابن الجوزي ج٥ ص٤؛ محاسن التأويل للقاسمي ج١٠ ص١٨٣؛ تفسير السعدي ج٤ ص٢٥٨.
(٢) انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور ج١٥ ص٩.
(٣) نظم الدرر للبقاعي: ج٤ص٣٢٨.
(٤) انظر: أضواء البيان للشنقيطي ج٣ ص٣٩١.
(٥) سورة الروم: الآية (١٧) .