فلابد من عقل يحسن معه صاحبه أخذ العلم بأحسن طريق وأيسره ليعينه ذلك على فهم النصوص ومعرفة المسائل حين استيعابها، ويؤكد حاجة العبد إلى الذكاء والزكاء أن الإنسان بطبعه له قوتان:
أولاً: قوة الإدراك والنظر وما يتبعها من العلم والمعرفة وهذه هي القوة العلمية النظرية التي أسميناها هنا الذكاء.
ثانياً: قوة الإرادة والحب وما يتبعه من النية والعزم والعمل وهذه هي القوة العملية التطبيقية.
ولذلك كان مدار الإيمان على أصلين هما:
الأصل الأول: تصديق الخبر والذي يكون في القوة العلمية النظرية.
الأصل الثاني: طاعة الأمر والذي يكون في القوة الإرادية العملية.
ويتبعهما أمران آخران:
الأمر الأول: دفع شبهات الباطل التي تمنع من كمال التصديق.
الأمر الثاني: دفع شهوات الغي المانعة من كمال الامتثال.
لأن الشبهة تؤثر فساداً في القوة العلمية النظرية ما لم يداوها الإنسان بدفعها، ودفعها إنما يكون بالعلم الصحيح.
والشهوة تؤثر فساداً في القوة الإرادية العملية ما لم يداوها الإنسان بتزكية النفس.
ولذلك قال الله في حق نبيه صلى الله عليه وسلم: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم ٢] .
فقوله: {مَا ضَلَّ} دليل على كمال علمه ومعرفته وأنه على الحق المبين.
وقوله: {وَمَا غَوَى} دليل على كمال رشده وأنه أبر العالمين.
وقد وصف صلى الله عليه وسلم بذلك خلفاءه من بعده فقال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي" (١) ، فالراشد ضد الغاوي، والمهدي ضد الضال.
ولذلك جاءت النصوص بالحث على العلم وطلبه وتحصيله، والحث على زكاء النفس وسلامة القلب ومما ورد في ضرورة زكاء القلب قوله تعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور} [الحج ٤٦] .
(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٤/١٢٦-١٢٧، وأبو داود في السنن برقم ٤٦٠٧، والترمذي في السنن برقم ٢٦٧٦، والدارمي في المسند ١/٤٤.