للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد كله وإذا فسدت فسد سائر الجسد كله ألا وهي القلب" (١) .

فعلى طالب العلم أن يحرص على سلامة قلبه فذلك الذي ينفعه عند الله قال تعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء ٨٩] والقلب السليم هو الذي سلم من الشرك، وسلم من البدع، وسلم من الغي، وسلم من الباطل، فهو القلب الذي سلم لعبودية ربه حياءً وخوفاً وطمعاً ورجاءً، فقدم حب الله على حب من سواه، وخوفه على خوف من سواه، ورجاءه على رجاء من سواه، وسلَّم لأمره ولرسوله صلى الله عليه وسلم تصديقاً وطاعة، واستسلم لقضاء الله وقدره، وبالتالي سلَّم جميع أحواله وأقواله وأعماله ظاهراً وباطناً لله وحده (٢) .

"فلا بد أن يطهر طالب العلم قلبه من كل غش ودنس وغل وحسد وسوء عقيدة وخلق، ليصلح بذلك لقبول العلم وحفظه والاطلاع على دقائق معانيه وحقائق غوامضه، فإن العلم - كما قال بعضهم -: صلاة السر وعبادة القلب وقربة الباطن، وكما لا تصح الصلاة التي هي عبادة الجوارح الظاهرة إلا بطهارة الظاهر من الحدث والخبث، فكذلك لا يصلح العلم الذي هو عبادة القلب إلا بطهارته عن خبث الصفات وحدث مساوئ الأخلاق ورديئها.

وإذا طيب القلب للعلم ظهرت بركته ونما، كالأرض إذا طيبت للزرع نما زرعها وزكا.

وقال سهل التستري: حرام على قلب أن يدخله النور وفيه شيء مما يكره الله عز وجل" (٣) .

وقال الإمام الشافعي:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي

فأرشدني إلى ترك المعاصي

وأعلمني أن العلم نور

ونور الله لا يؤتى لعاصي (٤)

المطلب الثّاني: مراتب نيل العلم


(١) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه رقم٥٢، ومسلم في صحيحه، مساقاة رقم ١٠٧.
(٢) مفتاح دار السعادة ١/٤١-٤٢.
(٣) تذكرة السامع والمتكلم ص ٦٧.
(٤) ديوان الشافعي ص ٥٤، جمع محمد عفيف الزعبي.