للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولذا فسَّر الطبري {الْحَمْدُ لِلَّه} في سورة الفاتحة بالشكر الخالص لله تعالى بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد، ولا يحيط بعددها غيره أحد (١) .

قلت: وهذه النعم الكثيرة التي لا تحصى ولا تستقصى ومن جملتها نعمة المال تستوجب الشكر من الخلق للخالق الرازق المتفضل، وهذا الشكر والحمد له سبحانه سبب من أسباب استجلاب الزيادة، وحصول البركة في المال، تفضلاً منه سبحانه وتعالى ونعمة.

قال ابن القيم: "جعل الله الشكر سببًا للمزيد من فضله وحارسًا وحافظًا لنعمته، وموصلاً الشاكر إلى مشكوره بل يعيد الشاكر مشكورًا" (٢) .

ومما تجدر الإشارة إليه هنا أنه يضيق معنى الشكر عند بعض الخلق فيظن أن غايته أن يقول بلسانه الحمد لله، أو الشكر لله، ونحوهما، مع عدم استعانته بالنعمة على المعصية، وإن لم يصرف هذه النعمة إلى الطاعة، وهذا مما لا شك فيه قصور في الفهم، وعن اتباع السلف الصالح.

والشكر- في حقيقة الأمر دائرته - أوسع من ذلك، ومجاله أرحب فالصلاة مثلاً شكر، والصيام شكر، وكل خير يعمله الإنسان لله تعالى شكر، واستحياء العبد من تتابع النعم عليه شكر، واعترافه بالتقصير على شكر المنعم عليه، واعتذاره عن تقصيره أيضا شكر، وتحدثه بنعمة الله شكر، واعترافه بأن النعمة موهبة من الله تعالى مع أنه لا يستحقها شكر، وتواضعه للنعم والتذلل فيها للمنعم شكر، وقلة اعتراضه وحسن أدبه مع المنعم، وتلقي النعمة بحسن القبول، وإن كانت بسيطة أو قليلة، واستعظامها وعدم احتقارها أو استصغارها شكر، والتيقن بأن الشكر بحد ذاته هو نعمة من الله تعالى وتوفيقه شكر، وأفضل الشكر هو حمد الله تعالى (٣) .


(١) جامع البيان عن تأويل القرآن (١/١٣٥) .
(٢) مدارج السالكين (٢/٢٥٢) بتصرف يسير.
(٣) أشار إلى بعض هذه المعاني ابن كثير في تفسير القرآن العظيم (٣/٦٩٨) .