في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أصدق كلمة
قالها شاعر كلمة لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل [٨]
وهذا شطر بيت للبيد وهو ابن ربيعة العامري صاحب المعلقة. ذكر صاحب الشعر والشعراء هذا البيت في قصيدة للبيد كما يلي:
وكل نعيم لا محالة زائل
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
قضى عمراً والمرء ما عاش آمل
إذا المرء أسرى ليلة ظن أنه
ويفنى إذا ما أخطأته الحبائل
حبائله مبثوثة بسبيله
ألما يعظك الدهر أمك هابل
فقولا له إن كان يقسم أمره
لعلك تهديك القرون الأوائل
فإن أنت لم تصدق نفسك فانتسب
ودون معد فلتزعك العواذل
فإن لم تجد من دون عدنان والداً
إذا كشفت عند الإله المحاصل [٩]
وكل امرئ يوماً سيعلم سعيه
وهذا الذي سبق من النبي صلى الله عليه وسلم إشادة بهذا الشطر من البيت لاحتوائه على هذا المعنى الموجز العظيم وسكوته صلى الله عليه وسلم عن الشطر الآخر كان عدم رضا به وهو قوله: "وكل نعيم لا محالة زائل"
فإن العموم هنا ليس مقبولاً ولذلك فقد انتقد عثمان بن مظعون رضي الله عنه هذا الشطر لما أنشد لبيد القصيدة فلما قال: "وكل نعيم لامحالة زائل"قال: "كذبت إلا الجنة". ذكره ابن حجر في الإصابة وابن هشام [١٠] .
ومن نقده صلى الله عليه وسلم لمعاني الشعر استدراكه على النابغة الجعدي لما قال:
وإنا لنرجو فوق ذلك مظهراً
فقال له: "أين المظهر يا أبا ليلى"، وفي رواية أنه غضب صلى الله عليه وسلم وذلك أن ظاهر البيت فيه مبالغة عظيمة فإنه لا يرجى اعتلاء فوق السماء لمخلوق فهو معنى مردود.. لولا ذكاء الشاعر رضي الله عنه وسرعة بديهته وتأويله لمراده بأنه الجنة.
ومن هذا الباب أيضاً إعجابه صلى الله عليه وسلم بقول الأعشى المازني:
وهن شر غالب لمن غلب
فجعل يكرر هذا الشطر..